تحميل كتاب يوميات حمار وطنى pdf
الكاتب: خالد الحسن
التقييم:0.00
جزاه الله خيرا توفيق الحكيم ، فكم كان مصيبا عندما اختار حماره الذي اشتهر باسم حمار الحكيم ، ليكون وسيطا بينه وبين ما كان يجري حوله من احداث محيرة، مع انها لم تكن قد هوت وتهوي الى قعر التفكك والارتباك والتخبط والضعف، كما تهوي اوضاع المنطقة العربية الان في حفرة التردي التي لم يظهر قاعها بعد ، ومع ذلك، اقتضت الظروف آنذاك ان يلجأ توفيق الحكيم الى حماره ، ربما لانه لم يكن راغبا في الكلام المباشر ، او لم يكن باستطاعته ان يتكلم كما يريد.
والآن.. وبعد ان اصبح الواقع العربي على ما هو عليه من ترد وتمزّق، تميّز من جملة ما تميّز به القمع والارهاب الفكري ، والتناقضات في الاقوال وفي الافعال ، وفي الافعال والاقوال معا . فقد اصبحت الحاجة الى (حمار) ماسّة اكثر من أي وقت مضى ، ليس هروبا من القمع والارهاب والحساسية التي تلاحق من يقول رايه بصراحة وصدق ، وليس لان الصدق والصراحة في عالمنا العربي اذا قيلا تحليلا او نقدا لا يفهمهما من يعنيهم الامر ، احزابا او مسؤولين في آن واحد ، وليس لان غالبية هؤلاء يرون في من يحاول ان يقول رأيا آخر او يقترح فهما او عملا آخرين ، او ينتقد قولا او عملا ، مخطئا ايما خطأ ، ولكن ، لهذه الاسباب كلها ، ولاسباب اخرى لا يتسع المجال لحصرها، فقد اصبح من الاهمية القصوى اعادة الحياة الى الحمار الذي كان يبدي رأيه ويشارك في مناقشة المشاكل. لقد اصبحت الحاجة ماسّة لظهور حمار جديد قد يكون اسمه ( الحمار الوطني ) أي غير المستورد وغير المفكر .لماذا؟؟.
لان الحمار المستورد سيزيد تناقضات مقاييس الاستيراد القائمة في واقعنا العربي بحيث تزيد نسبة الارتباك والخلاف في الفهم والتشخيص والحلول والسلوك.
امّا الحمار المفكر فانه نادر اولا ، ولانه مهما كان سيكون اقل قدرة على التفكير من المواطن العادي ،الا اذا كان حوله اصدقاء كتوفيق الحكيم والعقاد وزكي مبارك وغيرهم وهو غير متوفر في العلن على الاقل. ومع ذلك فان ما يجري حاليا يستعصي فهمه على من ينتمي الى فصيلة الفهيم من بني الانسان ، فكيف على الحمار().
لذلك نحن بحاجة الى مجرد حمار عادي يشترك مع الانسان بالاحساس وبالفعل المنعكس كما يقول علماء النفس.
لماذا ؟ لان هذا (الحمار).. ينقل احاسيسه بصدق كما هي ، لانه عاجز عن الفهم والادراك ، ولكنه دقيق في الاحساس بما يجري حوله ولا يتلون احساسه بانعكاسات العقل والتفكير او الفهم لما يجري او لماذا يجري او الى اية نتائج سيصل اليها هذا الجري (الفلتان) أي انه باحساسه ينقل بصفاء عن وقائع لم يعد المواطن العادي قادرا على فهمها او فهم دوافع حدوثها ، لدرجة يصل معها احساسه ايضا الى التشوّش والارتباك .
كذلك لا بد ان يكون حمارنا (وطنيا) حتى يكون احساسه ايضا احساسا وطنيا أي صافيا ينطلق من مركز دائرة فصيلة من الحمير وليس من مركز أي دائرة اخرى من الشرق او الغرب ، من الشمال او الجنوب ليتجاوب بذلك ايضا مع الموقع الجغرافي للوطن العربي الذي يقع في مركز الوسط بين كل هذه الدوائر.
وحتى تتحقق الفائدة من ظهور الحمار الوطني باحاسيسه الوطنية، كان لا بد من نقل احاسيسه هذه الى المواطن العادي الذي لا يقرأ التقارير الخاصة والسرية ، وليس له علاقة يطّلع من خلالها على ما يجري في الغرف المغلقة من الذين يحركون الاحداث.
من حيث الظرف الموضوعي والتاريخي ()اصبح نقل احاسيس حمارنا الوطني ممكنا بفضل تطور وسائل التكنولوجيا في العلوم التي اصبحت تنقل احاسيس النباتات وحيوانات البر والبحر بما فيها حمارنا الوطني .
من حيث الظرف الشكلي () والاجرائي () والذاتي ()فقد اصبح نقل هذه الاحاسيس ممكنا ايضا بسبب وجود ما يعرف لدى المواطن العادي بالصحافة التي تنشر ما يعرف بالمجلات والجرائد .
وهنا كان لا بد ايضا من ظهور (حمارنا الوطني) لان الصحافة هي الاخرى ليست بمنجاة من الارهاب في بعض الاماكن ، الارهاب بانواعه المعنوي والمالي ، او وضع بعض اسماء العاملين فيها على اللوائح السوداء. وفي احسن الاحوال منع الجريدة من الدخول الى بعض البلدان فتنخفض بذلك مبيعاتها والاعلانات فيها ، مما يؤدي في نهاية المطاف الى رضوخها.
لذلك ، كان لا بد من ان يتحقق النشر بالجريدة من قبل من لا يطاله تفسير قراقوش للقانون .. وقد تبين عبر التاريخ ان أي قراقوش لم يعاقب من لا عقل له استنادا الى قاعدة ان العقل مناط التكليف ، فاصبح العقل مناط العقاب.
أي ان نقل احاسيس ـ حمار وطني ـ في جريدة لن يؤدي الى معاقبة الحمار لانه يحس ولا يفكر وكذلك الجريدة ، فانها تنقل احاسيس (حمار)بتوقيعه الكامل ـ حمار وطني ـ ولعل هذا يعفيها من العقاب..
ومن حسن الحظ ان العقاب على الاحساس لم يصبح واقعا شائعا عند اصحاب السلطان والهيلمان الذين يعشقون عقاب الغير لاثبات قوة الذات والتعويض عن انهيار النفس وموت الانسان في جسم الانسان .
كان لا بد اذن لحمار وطني ان يظهر على مسرح المسارح.
الحمار يتعب كثيرا في النهار .. وهو كبقية الحمير وغيرهم من الحيوانات تقوده غريزته الى الراحة بالاستلقاء والاسترخاء.
ومن حسن حظ (الحمار الوطني) الذي ظهر ان مكان اقامته قريب من البحر على طرف الصحراء ، لذلك وبعد ان يفك صاحبه عقاله يسير متعبا الى الشاطىء حيث تلتقي الصحراء بالبحر الهادىء من كل صوت الا اصوات انكسار خفيف لموجات شبه متحركة تمثل نوعا من الموسيقى تساعد حمارنا على الراحة وتوقظ احساسه.
اما افق الصحراء وسماؤها المتداخلة مع افق البحر وسمائه، فانهما يخلقان جوا عازلا للاصوات المزعجة، ويصبح صوت انكسار الموجات وكانه خرير نبع في الفيحاء فتتفاعل الاحاسيس التي استيقظت مع صفاء الطبيعة هذه بعيدة عن هدير آلات التكنولوجيا والهواء السام المنصاعد من عوادمها،
وبعيدا كذلك عن ثرثرات البشر.
يعزّ على حمارنا ان يحس ولا يفهم..ويتمنى ان يفهم فيسمح بنقل احاسيسه، لعل هناك من يفهمها ويساعده على فهمها لان الحمار من حقه ليضا ان يفهم.
لكن حمارنا لا يطمع ان يفهم النتائج المترتبة على ما يقع من تناقضات ، ولا على الاهداف المرجوة من مسار قادة الاحداث ، فهذا يحتاج الى انسان يملك عقلا واعيا وحقوقا كاملة او شبه كاملة بصفته مواطنا فاذا كان المواطن() لا يملك هذا الحق فكيف يطمع الحمار في ان يصل اليه خاصة وانه لا يملك عقل انسان().
لذلك ، فان التفاعل في احاسيس (حمارنا الوطني) مع ردود الفعل العكسية للحدث، ينتج لديه تساؤلا بسيطا يأمل ان يجيب عليه الانسان حتى يشعر حمارنا انه قام بواجبه كمواطن من الحيوانات التي تعيش على هذه الارض التي اسمها الوطن.
امّا هذا التساؤل فهو.. لماذا يحدث ما يحدث كما يحدث؟
حان وقت نوم حمارنا .. وهو لانه لا يملك عقل انسان ،فان
غريزته تاخذه الى النوم بدون تفكير في الليل وحياة الليل.