تحميل كتاب هيكل بين الصحافة والسياسة pdf
الكاتب: رجب البنا
التقييم:3.17
فكرة هذا الكتاب بدأت فى عام 1970 بعد رحيل عبد الناصر كان السؤال ماذا سيكون مصير هيكل ؟ وكيف ستكون ايامه القادمة بعد انحسار المظلة التى كانت تحميه وكيثرون يتربصون به ويتمنون هذه الفرصة للايقاع به؟
وبدأت فى عام 1971 اعداد يحث لنيل دبلوم الدراسات العليا فى الصحافة بكلية الاعلام 0 وكان أول لقاء لى معه بمناسبة هذا البحث وكان لقاء حميما أجاب فيه عن كل أسئلتى وبعدها لم أجد مناسبا ان أعد كتابا عنه بينما كتابه مفتوح ما زالت فيه صفحات كثيرة يكتبها بنفسه وظللت اقرأ ما يكتبه وما يكتب عنه وأحتفظ بأوراقى الى أن أعلن قرر الانصراف بمناسبة بلوغه سن الثمانين فرأيت أن هذا هو الوقت المناسب خاصة وقد ابتعد عن السلطة فلن تلحق بى مظنة النفاق وقد كنت حريصا على الا أكتب عنه طوال سنوات وجوده فى الاهرام ولكن مشكلتى كانت فى أن حجم الاوراق التى جمعتها يمكن أن تكون مادة لعدة كتب وليس لكتاب واحد 0 ذلك لأن حياة هيكل حافلة بالاحداث المثيرة ولا أظن صحفيا فى العالم عاش مثل هذه الحياة المليئة بالتقلبات والصراعات 00 وبالأضواء 0 كما لا أظن ان صحفيا فى العالم كان مؤثرا فى الرأى العام كما كان هيكل 0 لذلك فاننى أعترف بأن هذا الكتاب تنقصه فصول كيثرة لم أستطع ضمها والا فسوف يكون بحجم دليل التليفون
ولقد حرصت على الا أكتب فصول هذا الكلام وأنا قريب منه حتى لا تغلبنى المشاعر وأفقد الموضوعية والحياد وهى أكثر ما كنت أحرص عليه 0 وحاولت أيضا أن أفصل بين مشاعرى الشخصية وبين الاحداث والافكار الخاصة بهيكل وأنا أعلم أنه يحترم الخلاف فى الرأى ولا يطلب من أحد أن يقدم له موافقة دائمة أو موافقة على بياض 0
ومحمد حسنين هيكل ظاهرة غير مسبوقة فى مصر ولا فى العالم العربى ولا فى العالم فقد انفرد بعلاقة خاصة جدا مع الرئيس عبد الناصر وعاش الى جانبه فترة حكمه ويعلم الدقائق والسرار فى هذه الفترة ولأول مرة فى التاريخ يسمح رئيس دولة لصحفى بالاطلاع على الوثائق السرية للدولة بل والاحتفاظ بنسخ منها اما علاقته مع الرئيس السادات فكانت مزيجا من القرب والبعد ومن الرضا والسخط ولا يمكن الاكتفاء بتفسير هذا التقلبات بالاسباب الموضوعية وحدها – وهى أسباب حقيقية ومقنعة – ولكن لابد ان هناك أسبابا شخصية تضاف الى هذه السباب الموضوعية جعلت العلاقة بينهما مهيأة لهذا التوتر والتذبذب الى حد الذى جعل الرئيس السادات يقرر ايداعه فى التفاصيل ولكنه اختلف مع السادات فى الاستراتيجية 0
وعندما كنت أعد بحثى لمعهد الاعلام سألت الدكتورعبد الحميد يونس رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة فى ذلك الوقت وهو صحفى قديم وناقد أدبى كبير ما رأيك فى هيكل ؟ فقال لى هيكل 00؟ انه كان قبل الثورة صحفيا لامعا وبعد الثورة اصبح أسطورة
ووجهت السؤال الى الدكتور صلاح مخيمر وهومن أبرز أساتذة علم النفس ومن المشاركين فى الدراسات السياسية فى السيتنات فقال لى لاتستطيع أن تعرف هيكل الا من خلال علاقته بعبد الناصر 0 كان عبد الناصر بحاجة الى شخصية صحفية تعبر عن أفكاره فى بعض الاحيان0 وكان هيكل محتاجا الى سلطته تحتضنه فاصبح كل منهما اجابة لاحتياج الآخر وبعد أن أصبح صحفيا للسلطة بالنسبة للصحافة وبذكائه استفاد من موقعه فى الدراسة فأصبح الوحيد بين الصحفيين الذى يذهب ليسأل ولكنه يذهب ليناقش ويعرض فكره وقد أصبح خبيرا فى السياسة والاستراتيجية ومطلعا على الدقائق والخفايا واستفاد كثيرا من اشعاعات الزعيم 0
وذهبت الى الدكتور عبد القادر القط رئيس قسم الآداب العربى وعميد كلية الآداب بجامعة عين شمس فى ذلك الوقت والناقد المعروف فقثال لى أرجوك00 لا داعى لذكر اسمى 00 اعتبر حديثى اليك حديثا شخصيا 00
وأكتفى بالحديث عن اللغة والتعبيرات والصياغات المميزة فى اسلوب هيكل 0
أما موسى صبرى رئيس تحرير جريدة الأخبار فى ذلك الوقت فقد أشعل سيجارته وقال لى بانفعال شديد
-اكتب 00 ان هيكل ظاهرة شاذة فى الصحافة 00
وذهبت الى أحسان عبد القدوس رئيس مجلس ادارة أخبار اليوم فى ذلك الوقت لكن السكرتيرة قالت لى
- الأستاذ احسان يعتذر
وحاولت أن ألتقى بمصطفى بهجت بدوى رئيس مجلس ادراة دار التحرير التى تصدر جريدتى الجمهورية والمساء فحدد لى موعدا وحين ذهبت فى موعدى قيل لى ان الأستاذ يعتذر ويمكن أن أقابل محمد الحيوان محرر الجمهورية اذا أردت وأنصرفت ولم أقابل محمد الحيوان 0
وفى وكتب عبد الرحمن الشرقاوى رئيس مجلس ادارة روز اليوسف فى ذلك الوقت قالت لى السكرتيرة ان الأستاذ يرحب بلقائك ثم عادت بعد قليل لتقول لى بخجل
- آسفة الاستاذ يعتذر
على الجانب الآخر التقيت بكيثرين سجلت بعض أسمائهم فى البحث ورحبوا بالحديث عنه وقالوا آراء أفادتنى كثيرا
قال لى حافظ محمود نقيب الصحفيين الأسبق
-هيكل نموذج للصحفى الكبير 00 هو الوحيد الذى تخطى الحدود وأصبح معدودا من الصحفيين العالميين وهم قلة ولكنه ليس صحفيا فقط بل هو سياسى أيضا 0
وخرجت من هذه اللقاءات بانطباع واحد أن موقف زملاء هيكل يمكن تفسيره فى ضوء ما يسميه علماء النفس ( الغيرة المهنية) وهذا طبيعى فقد كانوا يتنافسون على الاقتراب من الزعيم فلم يصل الى هذه المكانة سواه ووصل الى أبعد مما كان يمكن لاحد أن يتصور0
وحين سألت عالم النفس الدكتور صلاح مخيمر عن تحليل لهذه الظاهرة قال
- التفسير فى العلاقة الخاصة جدا التى كانت تربطه بالزعيم والزعيم عند مدرسة التحليل النفسى يمثل الأب وما دام هيكل قد أصبح الابن الأقرب اليه واستأثر به وحده فمن الطبيعى أن يشعر الآخرين بالغيرة والرغبة فى النيل منه اذا سنحت لهم فرصة وقصة سيدنا يوسف تتكرر مع الاختلافات طفيفة ألا ترى كيف يتصيد الجميع له سطرا أو سطرين ويخلقون منهما معركة لا يريدها هيكل ولم يفكر فيها ؟
لكن هيكل كان هو النجم حتى بعد رحيل عبد الناصر وقد أجرت مجاة روز اليوسف استفتاء عن نجم العام وجاء بعده مع فارق كبير فى الاصوات احسان عبد القدوس ثم مصطفى محمود ثم أحمد رجب ثم عبد الرحمن الشرقاوى وقالت روز اليوسف فى تعلبقها على هذه النتيجة ( هل كان العام الأخير هو مفتاح الشهرة الذى وضع هيكل على رأس النجوم ؟ بالطبع لا 00 فقبل ذلك ولسنوات طويلة كان نموذجا للصحفى الممتلىء 00 يقدم الرأى وبقدم الخبر ويقتحم الأسرار وعلى رغم قيامه بتقديم مقالات للرأى فقد ظل مخلصا لمهنته التى تقوم وفى الأساس على المعلومات 0
هكذا كان فى عيونهم 0 نجم النجوم فى رأى القراء وهدفا للعداء من كبار الصحفيين وللاحترام الشديد من جيل الوسط من الصحفيين ومن المثقفين عموما 0
كان هيكل هو الوحيد الذى يناذى باعة الصحف على أسمه يوم الجمعة قبل الاهرام فتسمع صياحهم
-اقرأهيكل 00 اقرأ هيكل 00
ولم يكن فى مصر من يقدر على ان يصبر على قراءة مقالة (بصراحة ) يوم الجمعة 00 وظهر ذلك حين أعطى هيكل لنفسه اجازة لشهر كامل فى أغسطس فهبط توزيع الاهرام فى أيام الجمعة كثيرا 00
وهيكل تمرس فى كل مجالات العمل الصحفى 00 عمل محررا للحوادث 00 ومحررا للفن00 ومراسلا حربيا بل هو أول صحفى يتابع المعارك فى ميادين القتال وحين عين رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة – قبل قيام الثورة – كان أصغر رئيس تحلرير سنا اذ لم يتجاوز عمره 29 عاما فى ذلك الوقت ولم يدفعه منصب رئيس التحرير الى الكتابة من مقعد وثير فى مكتبه بل سافر الى ميادين القتال ومناطق الصراع والتقى بالزعماء وليس فى العالم صحفى التقى بزعماء مثله وليس فى العالم صحفى على صلة وثيقة بكبار الصحفيين فى العالم مثله 0 وحين اصبح رئيسا لتحرير الاهرام كان أصغر رئيس تحرير فى تاريخ الاهرام الذى كان قد أتم 97 عاما من عمره اذ كان هيكل فى الربعة و الثلاثين من عمره وهو رئيس تحرير نزل بنفسه لتغطيه أحداث مهمة فى الخارج والداخل حتى عندما غرقت الباخرة دندرة نزل مع فريق من شباب الصحفيين والمصورين وقضى يوما كاملا على شاطىء النيل مع أهالى الضحايا ورجال الأمن والنيابة وصدر الاهرام فى اليوم التالى بصورة لم تحدث من قبل ويصلح هذا العدد ليكون درسا فى كليات الاعلام 0
وقصة نجاح هيكل فى الاهرام هى أيضا اسطورة
ولا زلت أذكر عبارة لأستاذ الصحافة الأمريكى روبرت براون فى كتابه (فن الصحافة )قال فيها ( افحص أى جريدة ستجد أنها ظل رجل واحد رجل له مبادىء وكرامته وأمانته وشجاعته أنشأ مؤسسته الصحفية على شاكلته وأحاط نفسه برجال من طراز رفيع ذوى صفات تحاكى صفاته )0 وأعتقد أن هذا الوصف ينطبق تماما على هيكل0
ومفتاح شخصية هيكل – فى رايى – هو الجدية واختيار الطريق الأصعب 00 فهو يأخذ نفسه بنظام صارم وهذا ما جعله يستفيد بكل دقيقة من وقته فى عمل مفيد00
وقد سألته
- هل تلخص لى فى عبارة واحدة سر نجاحك ؟
- فأجابنى
- ان كل وقتى أقضيه اما فى القراءة واما فى المقابلات الهامة والمناقشات الميثرة 0
صحفى من طراز مختلف00
أهم انجازاته – فى رأيى – انه جعل انسانا محترما فى المجتمع بعد أن كانت مكانته الاجتماعية والنظرة اليه تفتقد الاحترام 00 كانت البداية محمد التابعى وكان هو النهاية 00
ولا شك أن شخصية هيكل وأفكاره ودوره كانت مؤثرة بشكل ما فى تطورات الاحداث مما يجعل دراسته ضرورية لفهم عصر بأكمله من عصور التاريخ المصرى القريب00
اما مواقفة السياسية فهى موضع خلاف لن تحسمه سوى الايام حين تكشف ما كان خافيا 0 ولا تزال هناك امور كثيرة هناك تبدو مثل جبل الجليد العائم فى المحيط 0لايظهر على السطح سوى الجزء الاصغر منه اما الجزء الاكبر فهو لا يزال خافيا فى اعماق المحيط 00 ولن يطفو الا بعد سنوات قد تطول كثيرا 0
بعد رحيل عبد الناصر قال هيكل لست من دروايش الناصرية 00
وأنا أيضا أقول لست من دراويش هيكل00
فأنا أرى سلبياته وايجابياته 00 وأضع فى اعتبارى أن الميزان له كفتان وليس كفة واحدة 00 واحدة للسلبيات والاخطاء التى لا يخلو منها انسان والثانية للايجابيات التى لا يخلو منها انسان ايضا 00
وقد حاولت أن أضع فى كفتى الميزان بالحق والعدل 00 دون تحيز 00 وقدمت رؤية هيكل ورؤية خصومه 00 وأرجو أن أكون قد وقفت 00 وان كنت أعترف بأننى لم أقل كل ما كنت اريد أن أقوله بسبب المساحة وليس لأى سبب آخر 00 فكل كتاب له حجم يجب الأ يتجاوزه وهذه هى مشكاتنا دائما 00 أن نعبر فى مساحة محدودة عن حياة مليئة بلا حدود 00
ومن يدرى00 ربما أعود لاستكمال ما بدأت 00