تحميل كتاب من وحي المحنة pdf

تحميل كتاب من وحي المحنة pdf

الكاتب: محمد وفيق زين العابدين

التقييم:4.55

تاريخ النشر: 1-2015
Goodreads

المحنة.. ‏
أهم الدوافع والموجبات، هي موضع سر الله في تهيئة العبد لكلِّ خير، ومغزى حكمته عز وجل ‏في إنارة طريقنا بأقوال السالفين.‏
المحنة..‏
عصا الأزلية التي تسوق الكلام من جيلٍ إلى جيلٍ ومن زمنٍ إلى زمنٍ، هي المفتاحُ الذي يُخرج لنا من صندوق المواهب ‏الخيرَ في كلِّ أوانٍ ومكانٍ.
وكلما ازدادت ثخونةً وغلظةً كان الكلامُ أكثرَ قبولًا وتألقًا وأشدَّ سيلانًا ‏وتدفقًا.
فيالسعادة كاتب يخرج من المحنة وقد أخرج لنا اللآلئ والدُرر من طيات أيام محنته.
‏ويالتعاسة كاتب يخرج من المحنة ولم يحصد من أيامها سوى ضيق الصدر وشقاء النفس ودنو ‏الهمة.‏
الكاتب الصادق الذي لا يخشى وقوعَ المحنة، ولا يرهب حدوثَ البلايا، ولا يهابَ رياح النوازل، بل يُرحب بها، بل يُرحب بها، فهي واقعةٌ على كلِّ حالٍ، وخير ‏له أن يستغلَّها وينتفع بشدة أيامها وعنفوان حوادثها؛ ليُخرِجَ للناس ما عسى أن يوقظَهم من ‏غفلتِهم، ويأخذ بأيديهم نحو السعادة والنجاح. ‏
ولا يخفى ما مرت به بلادُنا العربيةُ من محنٍ زلزلت مراقدَنا، وأثارت جذوةَ دفئنا، فنبهتنا من ‏سُباتٍ أزعجنا كابوسُه وأثقل رؤوسَنا بخارُ خمولِه وانحلالِه.‏
وقد كان مؤلفو هذا الكتاب ممن استجاب لنفير هذه المحن، فاكتووا بنارِها وضاق صدرُهم بدخانِ لهيبها، فأوحى لهم الألمُ بهذه المقالات، ونحتت في قلوبِهم ملماتُ النوازل تلك الخواطر، فخرج هذا الصارمُ الذي يرجو صانعوه أن ‏يُحمد عمله في المحن والشدائد، وأن يجعل الله لهم به لسان صدقٍ في الآخرين.
وقد حرصوا في هذه المقالات على تنويع موضوعاتها؛ لتشمل أكبرَ قدرٍ ممكن من النظراتِ التأمليةِ والقضايا الفكريةِ بناتِ المحن التي مرَّت بها أمتُنا في السنوات الأخيرة، فتنوعت أشكالُها ما بين مقالات طويلة ومتوسطة بُدِئ بها الكتاب، ثم خواطر قصيرة خُتِم بها.
وهم في ذلك كله يَعرضون أعمالَهم بروحٍ أدبيةٍ ونظرةٍ فكريةٍ تنقض الملل، وتداوي الألم، وتُحيي الأمل، وتبعث على التفاؤل.
راجين من اللهِ تعالى أن تقَع هذه الكلماتُ في قلب كلِّ مسلمٍ ما زال صالحًا لكلِّ خير؛ ليُبصرَ بقلبِه ما أبصرته أقلامُهم، ولتكون نِبْراسًا له يهتدي بضيائه في ظلماتِ المحنة الحالكة، ومُتنفسًا له ومُستراحًا من عناء ما يُلاقيه من شدتها، ومُسكنًا ودواءً لما يُعانيه من آلام تبعاتها.
هاهنا مقالٌ ربما تشعر أنك كاتبُه، أدبٌ ربما لا تشك في أنك أديبُه، شعرٌ ربما أنت ناظِمُه، صيحةٌ مِن صيحات الحق التي ربما وددت يومًا أن تدوي في هذا العالم فتطرق الأسماعَ وتلفت الأبصارَ.
هي محض خواطر لكنها ستُعينك على أن تواجه شيئًا مما يُؤرقك.. وتذكر دائمًا أن هذه السطور كُتبت من وحي نفس المحنة التي مررتَ أنتَ بها.
فإن كان ثمة عجز في إيصال بعض المعاني وكشف بعض الحقائق بصفائها ونقائها التي هي عليه، وإن كان ثمة تعثر أو خطأ أو قصور فيما عُرِضَ وطُرِحَ؛ فما على عُرجٍ في ذاك من حرجٍ، فهذا أليقُ بنا، ونحن نُدِينُ لذي الكمال بالعبوديةِ، ونعترفُ له بقصورِنا وتقصيرِنا، نتسولُ منه الرحمةَ، ونرجو منه القَبولَ، إليه نستند وبه نعتضد.
فشكرًا لمحنةٍ أوقدَت مصابيحَ دروبِنا الغارقةِ في دياجيرِ ‏الجهالةِ.‏