تحميل كتاب مذكراتي حساب السرايا و حساب القرايا pdf

تحميل كتاب مذكراتي حساب السرايا و حساب القرايا pdf

الكاتب: نذير رشيد

التقييم:3.56

تاريخ النشر: 2009
Goodreads

هذا كتاب جديد، بل هو جديد ومهم… فيه من جمر التذكر ما يشد القارئ إلى زمان جميل.

والكتاب شهادة من رجل عاش مرحلة غنية ومثيرة، وهي شهادة مطلوبة للمؤرخ، والباحث، والسياسي، وسائر الذين تشغلهم تحولات الحياة الاجتماعية والسياسية في الأردن، وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين…

ويملك الرجل جرأة الكشف عن مواقف وأسرار يبدو أنه وجد نفسه مضطراً لها، وهو يدافع عن الرؤية الأردنية في مواجهة الخلط والحصار والتزوير في تلك المرحلة…

وقد تكون رؤية نذير رشيد التي أطل بها على الأحداث بعد نصف قرن موضع جدل وحوار من أجل الوصول إلى الحقيقة التي لا بد من جلائها احتراماً للتاريخ نفسه، وللناس الذين أصابوا في مسعاهم أو أخطأوا في نواياهم على امتداد التاريخ الأردني في الإطار الوطني الأقرب، والإطار القومي الأبعد… ولعل جرأة نذير رشيد في طرح أفكاره من موقع العارف والشاهد تمثل إضافة نوعية على ما قاله الشهود والمشاركون والمراقبون.

الكتاب تسعة فصول تغطي مرحلة تاريخية تزيد على ستين عاماًً، وقد شكل الفصل الأول وعي الفتى بالبدايات في مدينة السلط-حرسها الله، وقدم على هوامش هذا الفصل تفاصيل مهمة عن النشأة والأهل والدراسة، ومجتمع الرفاق، وحالة العمران الإنساني والحضاري التي أسس لها أهل المدينة والقادمون إليها في بلاد الشام. وهذا الفصل، على ما فيه من إيجاز، مهم وجميل. إذ يضم روايات شاهد عيان تشكل وعيه في دروب المدينة ومدرستها وتحولاتها، هذا الوعي الذي ما لبث أن امتد إلى أفق جديد في فلسطين والعراق. إذ عاد الفتى وهو في أول العشرينات إلى القوات المسلحة الأردنية، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته حافلة بالأحداث والتحولات، يكون هو بين المشاركين فيها، وبين من تغيرت طرق مستقبلهم، ليجد نفسه من قادة تنظيم الضباط الأحرار، ثم إلى المنفى بين دمشق وبيروت والقاهرة.

ويمكن اعتبار الفصلين الثاني والثالث وثيقة خطيرة لأحداث الخمسينات، وشهادة من رجل شارك في الأحداث وتحمل نتائجها. وهما فصلان فيهما تقاطع أو تناقض مع روايات أخرى لعدد من الضباط المشاركين حول ما وقع سنة 1957م. وقد قدم نذير رشيد رؤية تحليلية خاصة به، وملاحق خاصة بتفاصيل مناورة هاشم عام 1957، كما هي في سجلات القوات المسلحة، كل هذا يفتح الآفاق للباحثين في التاريخ السياسي والعسكري الأردني الذين يسعون لإعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة بأكاديمية وموضوعية.

تشكل مرحلة اللجوء السياسي إلى سوريا ولبنان ومصر مادة الفصل الرابع، وفيها كشف عن معلومات مهمة ذات صلة بأحداث لبنان، التي شارك فيها ندير رشيد سنة 1958. كما أن إخراج عبد الحميد السراج من السجن في دمشق، ونقله إلى بيروت والقاهرة، مادة في غاية الأهمية، خاصة أن روايات مغايرة تعارض ما ورد في هذا الفصل. وإن كان نذير رشيد يوجز روايته ويكتبها وينشرها، فعلى الآخرين أن يقولوا ما لديهم حول هذه الرواية.

يعود نذير رشيد من منفاه في منتصف الستينات، بعفو ملكي، ليبدأ مرحلة جديدة في الزراعة، ثم وبصورة غير متوقعة، وفي المخابرات العامة، حيث شهد بعض أصعب السنوات في التاريخ السياسي الأردني حرب 1967، ومعركة الكرامة (1968)، وأحداث 1970، واستشهاد وصفي التل (1971). وحول هذه المرحلة من حياته وعمله، يقدم مرافعات مهمة عن بطولة الجيش في معركة الكرامة، وعن العلاقة بين الأردن والمنظمات الفلسطينية. ويملك الرجل جرأة الكشف عن مواقف وأسرار يبدو أنه وجد نفسه مضطراً لها. وهو يدافع عن الرؤية الأردنية في مواجهة الخلط والحصار والتزوير في تلك المرحلة.

وإذا كان الفصل السادس خاصاً بأحداث أيلول، فإنه متصل بالمرحلة كلها. وفيه أيضاً نقد واضح للذين تراخوا من المسؤولين وقدموا، كما يرى، التنازلات تلو التنازلات، وفي هذا الفصل ينأى نذير رشيد عن الجانب الشخصي لصالح المرحلة، وإن ظل مصراً على أن يقدم ما عرف وما شاهد في تلك الحقبة الخطيرة من التاريخ الأردني. ويكاد الجزء الذي خص به شخصية وصفي التل يتحول إلى رسالة شخصية للناس في تقييم هذا السياسي الأردني الشهيد، وفاءً لدوره ومحبة الناس له.

يمضي نذير رشيد في رحلته الغنية بين الجيش والمنفى والمخابرات ليصل إلى العمل الدبلوماسي سفيراً في المملكة المغربية، ويقدم صورة جميلة لرحلته تلك، قبل أن يعود إلى الأردن عضواً في مجلس الأعيان ووزيراً للداخلية في حكومة الدكتور عبد السلام المجالي الثالثة، في مرحلة شهدت استئناف المسيرة الديمقراطية التي كان نذير رشيد أحد الذين راقبوا تحولاتها قبل نحو عقدين في الخمسينات.

كان نذير رشيد يركض في مدى من التاريخ يزيد على ستين سنة، كان هو نفسه الخيال المجرب منذ الكلية العسكرية في بغداد إلى تميزه في رياضة البولو، إلى أن انتقل إلى عالم القطاع الخاص، حيث الوقت واسع للفروسية التي عشق، والتجارة التي جرب، والكتابة التي سوف يشكره الناس لأنه أقدم عليها وذاكرته في أوج اشتعالها، وتحمله للصعاب ممكن كما الخيل العربية التي ظلت على مدى التاريخ أكثر تحملاً للمشاق والتعب.

يضيف نذير رشيد في الفصل قبل الأخير معلومات مهمة عن الخيل والصيد، ويستحضر بعض ما قاله المتنبي وعنترة وفي هذا السياق. وقد شغف نذير رشيد بالخيل حتى جمع في مكتبته كثيراً مما نقشه العرب تكريماً لها. وهذا إغناء للكتاب أضفى عليه بعداً خاصاً من خلال الانزياح نحو الذاتي، بعد أن شد المؤلف كتابه على وتر السياسة على مدى السنين الأربعين التي تلت أحداث 1957.

وفي ختام كتابه هذا رؤية شخصية وطنية تقرأ تحديات المستقبل من خلال مصادر الخطر على الأردن، خاصة في الملفات السياسية والاقتصادية الكبيرة. ولا يخفي نذير رشيد حرصه على أمن المجتمع الأردني وموقعه القومي وهموم الاستقرار في ظروف جغرافية وسياسية واقتصادية صعبة، وعقبات تعترض السلام الذي وعد به الشرق الأوسط, لذلك يرى المنطقة في منتصف الطريق بين حرب لم تنته، وسلام لم يكتمل. من هنا ينتقل الحديث إلى حتمية توفير الأمن في الأردن، وأن تظل الديمقراطية خياراً راسخاً، وأن تنضج المعارضة في الداخل، وأن يتحسن مستوى المعيشة، وغير ذلك من الهموم في الزراعة، والصناعة، والتصحر، والتعليم، وينهي حديثه في هذا الفصل المهم بهجوم حاد على الفساد والإفساد، ويتخوف منه ومن الواغلين على الأردن، ثم يعبر عبر الحديث عن الإسلام وصورته الزاهية، وحتمية الدفاع عنها لختام كتابه، مشيراً إلى أنه لم يتطرق إلى مراحل كثيرة غير التي أشار إليها. ويؤكد أنه قد وصل إلى قناعة بأن دوره ودور جيله ممن يسمون “الحرس القديم” قد انتهى عندما وقف الأردن مودعاً قائده الملك الحسين، ومبايعاً ملكه الجديد عبد الله الثاني ابن الحسين وإن كنت أعتقد أن مجرد عكوف نذير رشيد على كتابه هذا الذي نقدمه، وصدوره في هذا الوقت بالذات، وجرأته في مادته، يعلن أنه لم يعتزل العمل السياسي، بل فتح الباب لمعركة جديدة عنوانها الدفاع عن الوطن.

د. خالد الكركي