تحميل كتاب ما أجملك أيها الذئب pdf

تحميل كتاب ما أجملك أيها الذئب pdf

الكاتب: قاسم حداد

التقييم:3.58

تاريخ النشر: 1-3-2006
Goodreads

“لا تتكرر لحظة انبثاق القصيدة بالشكل نفسه في كل مرة، فأنت لا تعرف كيف يأتيك الحب. القصيدة مثل الحب، غير أن الشعر لا ينحصر في لحظة الكتابة. الشعر طريقة حياة يعيشها الشاعر بشكل دائم. والكتابة هي واحدة من الذروات الساحرة التي يأتي إليها الشاعر ليكتب نصه، كما لو أنه يصغي إلى صوت غامض يملي عليه الكلمات، بينما يسجلها بشغف كمن يصغي إلى وصية شخص يحتضر (ثمة من يزعم أن المحتضر هو الشاعر نفسه كل مرة) قلت مرة أن المعاناة لا تكون أثناء كتابة القصيدة، بل قبل ذلك، في خضم الحياة. الكتابة هي أجمل اللحظات على الإطلاق. فالشاعر لا يكون سعيداً ومتألقاً ونشيطاً مثلما هو إبان الكتابة. العذاب يكون قبل النص وبعده، أما لحظة الكتابة فما أبعدها عن العذاب، إنها برهة النشوة القصيرة والنادرة والخاطفة، التي تؤكد كم شبيه هو الشعر بالحب (قلت أيضاً أنني سأعجز عن الشعر عندما أعجز عن الحب). طوال الوقت يظلّ الشعر مهيمناً على كياني، فأرى أشياء الحياة من حولي غيماً شفيفاً يمتزج بروحي، مؤججاً الحالة الشعرية التي بها أحيا. يمكنني القول أنه لولا هذه الحالة الغامضة لما تسنى لي احتمال هذا الواقع. التعامل مع أشياء الحياة بهذه الشعرية، يعني أن الشعر لا يقتصر على الكتابة فقط، فكل ما يقع تحت ناظري ويلامس كياني هو ضرب من الشعر. النص لا يبدأ هنا ونتهي هناك، الشعر موج مستمر متلاحق ومتلاطم من لذة لا توصف. من هنا أزعم دائماً أن الشعر هو ما يمكن اعتباره حياة الشاعر بينما هو يفعل أشياء اخرى. (مما يجعله يفعل تلك الأشياء بشكل جميل دائماً) تنثال القصيدة في الداخل مثل شظايا بلور متناهية في الصغر، وتتراكم شيئاً فشيئاً لتصبح بركاناً جميلاً يمنح الروح طاقة الامتلاك الغامض العميق للعالم، شعور من يضع الجوهر في جيبه. يتصاعد هذا الشعور ليبدو في لحظة ما، حالة عشق تستعصي على الوصف، عشق ساحر لا يكف عن الاندلاع والتصاعد مثل بركان، بركان لا ألذ ولا أطيب ولا أجمل. تظل هذه الحالة تشحذ الاستعداد الكامن للكتابة بلا هوادة، وتصقل الروح لتصادف تلك اللحظة الفاتنة التي تنبثق فيها الكلمة الأولى، أو الصورة الأولى، أو الإيقاع الأول، فيبدو الأمر كما لو أن الشاعر عرضة لأية ملامسة يشغف بها القلب، فيقع الشخص في الحب، فلا تنقذه إلا القصيدة. عندها يبدأ في كتابة ما هيأته الأساطير من الداخل. ولا أحد يقدر على تحديد السبب المباشر الذي سوف يفجر ذلك البركان الحميم حيث يبدأ حفل الألعاب النارية في ليل الحياة”.

يموّج قاسم حداد الصور مستعيناً بمخيلة سخية، ويطحن اللغة لينشرها كالندى. يسرد لها من القلب وهذيان اليأس الذي لا يأس فيه، ثم يرمي كل هذا أمام القارئ. وحتى في مقالاته، يخترق قاسم حداد الحجب التي ترسمها قسوة الحياة منطلقاً في أجواء علوية شفافة، منتقداً بدقة، متغنياً بنشوة، مستشعراً برهافة، ومشعراً القارئ بأنه في رحاب كاتب يملك القدرة التعبيرية ما لا يملكه آخرون من المبدعين.