تحميل كتاب ليل ينبت تحت الأظافر pdf
الكاتب: Ted Kooser
التقييم:2.96
على عكس أو حتى ضد نزعة معاصرة لدى كثير من الشعراء ممن يقولون، زعماً أو اقتناعاً وممارسة، بأن القارئ لا يعنيهم ولا يؤثر في العملية الإبداعية لديهم، فإن تيد كوزر لا يخجل من المجاهرة بأنه يكتب دائماً وفي باله القارئ، وهذا لا ينعكس فحسب على مزاجه الشعري، والموضوعات التي يحفل بها شعره، بل أيضاً على لغة هذا الشعر وتركيبه. وهذا يجعل من كوزر، كما يصفه الناقد والشاعر دانا غيوياً في كتابه “هل يمكن أن يعنينا الشعر؟” (1992)، “شاعراً شعبياً”، لا بالمعنى الجماهيري “إذ ليس من شاعر جماهيري في أمريكا اليوم، لكن بمعنى أنه يكتب للقارئ العادي، غير المثقف”. هذا القارئ الذي يبدي كوزر تجاهه احتراماً من نوع خاص لإقباله على الشعر في زمن يصعب وصفه بالشعري. يقول “أحاول أن أكرم صبر قارئي وكرمه من خلال قولي ما أريد قوله بأقصى وضوح وإيجاز ممكنين… في الوقت نفسه لا أحاول أن أهين عقله والاستخفاف به، لكنيي لا أرى أي فائدة من تضمين شعري أي تجربة ثقافية لم يختبرها هذا القارئ بالضرورة… وفي الوقت نفسه أنا شديد الحذر من المبالغة في التبسيط… هناك خيط رفيه بين ما يحتمله ويتسامح معه القارئ الغريب وما لا يحتمله”.
منذ البداية إذن يدرك كوزر أن القارئ هو ذلك “الغريب” الذي قد يصادفه في أي مكان، ومن مختلف مشارب الحياة وتجاربها، والذي لا ينفع معه ما يسميه بـ”الإدعاء الثقافي” “أحب أن أثبت للبشر العاديين الذين لك يكملوا تعليمهم بأنهم يستطيعون فهم الشعر، وبأنه لا يجدر بهم الخوف من هذا الشعر”. لكن هذا كله لا يعني، كما سيرى القارئ شعر كوزر، بأن مفتاح التواصل مع القارئ يكمن في العمومية واستدراج المشاعر أو ما يصفه بالمبالغة في التبسيط، فالقارئ هنا يظل قارئاً فرداً، يحترم عقله ومزاجه وتجربته كفرد، لا كجزء من حشد أو جمهور، وهذا يقيم فارقاً كبيراً بين الشاعر الشعبي كما نراه نحن العرب وكما هو في الممارسة -ذلك الشاعر الذي يستحضر عدة لغوية وتعبيرية وأسلوبية جاهزة تتسم بالخطابية والمنبرية، وتبرز في الأزمنة و”المناسبات” الخطابية والمنبرية- وبين الشاعر الشهبي على طريقة تيد كوزر، وهو شاعر لا يتحلى، بينما يضع القارئ في اعتباره، عن التطلب الشعري، المتمثل في البحث دائماً عن قصيدة أصلية ولغة متجددة، وإن اتسمت بالأسلوبية، فهذا لا يعفيها من أرق السؤال والبحث والتشكيك الذاتي. يقول كوزر “كل صباح أجلس على كنبتي، حاملاً بيد كوب القهوة وباليد الأخيرى دفتري، وأحاول كتابة قصيدة واحدة… بعد عشرة أيام قد يكون لدي قصيدة واحدة أكون مقتنعاً بها، وفي نهاية العام قد تكون النتيجة عشرة قصائد فقط، وهذا كثير بالنسبة إلي”.
ما يجعل تجربة كوزر منفتحة على القارئ العادي بهذا الشكل، إضافة إلى لغتها البسيطة والواضحة، هو عوالمها التي تنتمي في المقام الأول إلى الحياة اليومية، فنجدها، على الرغم من ذاتيتها الشديدة، تحفل بأنماط البشر الذين يصادفهم المرء كل يوم، وأيضاً بشتى التجارب، البسيطة جداً مثل السير في الشارع أو الجلوس في مقهى، والمأساوية جداً مثل الشيخوخة والموت والهجران… معظم قصائد كوزر تنبع من تجارب شخصية، تبدأ من حياته وذكرياته وعائلته وجيرانه وبيته وشارعه، وتمتد إلى الخارج، حيث يصبح الآخر، في المدى الأوسع، جزءاً أيضاً من التجربة الشخصية، أحياناً بمجرد المشاهدة العابرة، والتأمل البسيط، وأحياناً من خلال الاحتكاك والتواصل العميقين. وفي كل الأحوال، فإن القصيدة ومهما كان بسيطاً أو مباشراً أو واضحاً أو يومياً ما تقوله أو تصفه فإنها دائماً ترتفع، وبصورة مفاجئة إلى مستوى آخر، ناقلة العادي والبديهي، من مجرد الوصف والانطباع، إلى النفاذ والتأثير، إلى رحلة الكائن البشري الأوسع، لغز عيشه وفنائه، وسلسلة الألغاز بينهما.