تحميل كتاب قبل انهيار العالم pdf

تحميل كتاب قبل انهيار العالم pdf

الكاتب: أحمد ليثي

التقييم:3.65

تاريخ النشر: 2019
Goodreads

يُقال على سبيل السخرية، إن الكُتاب عادة ما يكونون منفصلين عن مجتمعاتهم، يمكثون في برج عاجي، لا يهتمون بشيء غير أفكارهم التي لا يهتم بها العامة.

غير أن هذا الكتاب يمكن أن يغير فكرتك تمامًا. يحوي الكتاب حوارات مع روائيين ومفكرين، كان كلٌّ من الشأن العام، والشأن العالمي محط اهتمامهم وتفكيرهم، بالطبع نتج عن تلك الحوارات تأملاتهم عن العالم الروائي وكتابة الرواية ونمط عيشهم من بواكير الصباح، حتى آخر الليل، لدرجة أن بول أوستر صرَّح في حوار يضمه هذا الكتاب بنوع وماركة الكراس الذي يكتب فيه، والقلم الذي يكتب به.

يضم الكتاب 12 حوارًا، يشمل رأي كُتَّابنا في أهم القضايا التي تجري في بلدانهم. كارلوس فوينتس، مثلًا، رغم أنه عاش معظم حياته خارج بلده، لكن تفتَّح وعيه، ككل كُتَّاب أمريكا اللاتينية على قضايا بلاده؛ كالفقر والبطالة وغيرها، غير أنه على عكس بعض الكُتَّاب، لم يحمِّل أبناء وطنه سبب هذا الفقر، بل اشتبك بصورة مباشرة مع النظام السياسي الذي أفقر الوطن.

يصر إرنستو ساباتو على رؤيته في أن العالم سوف يكون في طريقه للانهيار إذا لم يقم بحل مشكلاته الروحية، على الرغم من أن ساباتو دارس لتخصصات الرياضيات و الفيزياء التي تجنح إلى الجانب المادي، إلا أنه أدرك مبكرًا أن الإيمان بالفكر الخالص والعدل والتقدم، الذي يتحلى به بعض العلماء، جعلهم يحتقرون الجوانب الأساسية، والخفية، في حياة الإنسان، كالأساطير التي ينبع منها كل أصول التعبير الفني تقريبًا.

يؤكد ساباتو أن عصرنا يتسم بتناقض ملحوظ بقوة، وغير قابل للمساومة بين العلم والإنسان. كما أن السيادة المُطلَقة للعلم والتقدم على معظم سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين قد قللا كثيرًا من قيمة الفرد، لدرجة جعلت منه ترسًا في آلة ضخمة. ولا سيما أن النظريتين الرأسمالية والماركسية -على حد سواء- قد ساهمتا في نشر هذه النسخة المُحرَّفة، والتي مفادها أن الإنسان الفرد ينصهر في المجموع، وأن سرّ الروح يقلّ لأنها باتت قابلة للقياس الكمـي بالانبعاثات الإشعاعية.

لا أعتقد أن ادعاء البرج العاجي قد يصمد، عندما نعرف -مثلًا- أن رواية ألفها سلمان رشدي احتلت ضجة كبيرة في العالم الإسلامي، وجعلت قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني يصدر فتوى بهدر دم الرجل، قال فيها «إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المُعَنْوَن (آيات شيطانية) الذي ألّف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الكريم وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته، قد حُكِم عليهم بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام». إذا كان الكُتَّاب منفصلين تمامًا عن واقعهم، فما الداعي لأن يصدر في حق أحدهم فتوى إهدار دمه؟

وما كان أروهان باموق كاتبًا خياليًّا عندما قال إننا نحب الأدب، ليس لأنه يتيح لنا كمية هائلة من المعلومات والثقافة، بل لأننا نؤمن بقوة الأدب، وإذا لم نؤمن بقوته، فعلينا أن نتجنب قراءة أو كتابة الكتب فورًا. هذا المفهوم للأدب يقترب كثيرًا من المفهوم الذي يعتمده الأوروجوياني إدواردو جاليانو؛ إذ يرى أن الكاتب عليه أن يكشف المناطق المستورة، لأن الحقيقة دائمًا ما يتم التعتيم عليها، وبالطبع أعظم الحقائق التي يتم التعتيم عليها هي الحقيقة السياسية، وحقيقة كيف يمضي العالم من حولنا، لكن هنا، يقول جاليانو، الانحيازات السياسية للكاتب، وعمله متماثلة.

في حوار مع عالم الاجتماع النمساوي، زيجمونت باومان، يقول إن كل شيء بدا ممكنًا عندما بدأ الناس العربدة الاستهلاكية، كنا نقترض الأموال لشراء البيوت والسيارات، ويمكن لنا أن ندفع لاحقًا، لكن عندما جفت القروض عام 2008، كان العالم على وشك الانهيار، وضرب الكساد الطبقات الوسطى، ولم يعد الناس يؤمنون أن المستقبل سيكون أفضل من الماضي. ويقول بومان إن الحركات الاحتجاجية الجديدة، مثل “احتلوا وول ستريت” وغيرها في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، ما هي إلا شعور بهذا الانهيار الذي أصاب المجتمعات، ما يدور هو أزمة ثقة في الديمقراطية بسبب القيادات السياسية الحمقاء.
في الوقت نفسه، يؤكد هابرماس أن الأزمة التي يعيشها العالم الآن يمكن تفسيرها بأنها أزمة اقتصادية، وفشل سياسي، والمشكلة الكبرى أن الوحيدين الذين يمكنهم التصرف هم القيادات الحكومية، وهم آخر من يمكنه التصرف لبناء مجتمع مشترك، لأنهم يفكرون باستمرار في ناخبيهم، ولا يوجد مجتمع سياسي قادر على تحمُّل تلك الاضطرابات على المدى الطويل.
ينتظم على طول هذا الكتاب إذًا حوارات لكُتَّاب ومفكرين من مشارق الأرض ومغاربها، وربما كانت الفائدة الأولى للحوارات بصفة عامة أنها تمكِّنك من الاقتراب من حياة الكاتب وآرائه وأفكاره، ونقل خبراته في الكتابة بصورة مكثفة ووجيزة، ويبقى أن أتمنى أن أكون قد وُفِّقت في نقل هذه الحوارات إلى العربية.