تحميل كتاب عزمي بشارة - القضية والمحاكمة pdf
الكاتب: زياد منى
التقييم:4.00
نبذة موقع النيل والفرات
عندما افتعل الياكيم روبنشطلين ومن دفعه، ومن يمثلهم، محاكمة عزمي بشارة كان يريد قطع الطريق على أي انتماء صريح داخل الخط الأخضر، فقد كان يعي أنه يتعامل مع ظاهرة تتدحرج ككرة الثلج داخل دوائر المجتمع الفلسطيني، وقد تبدّى ذلك في شراسة هجومه لمنع عزم بشارة و(التجمع) من خوض الانتخابات الأخيرة. ومن العسف بمكان القول إن (خطابات) عزمي بشارة ومواقفه من المقاومة، على أهميتها، هي سبب الحمى الإسرائيلية التي سعت إلى إقصائه و(التجمع) عن منصة الحياة السياسية، أما نتائج الانتخابات وفوز عزمي بشارة وحزبه منفردين بثلاثة مقاعد فهو الدليل على عمق التوجش الإسرائيلي من هذا الخطاب الصريح؛ الخطاب القومي العربي المتكئ والمتطعّم بالديموقراطية.
وعند القيام بحملة لدعم عزمي بشارة وقت محاكمته تبين مدى الدعم الذي تلقاه هذه الشخصية في شتى الأوساط. فهو يتميز شعبياً بمصداقية ناجمة عن إحساس (المشاهد العربي) وقناعته بحرارة الدفاع عن الأهداف والمبادئ التي يحملها، وفي الوقت عينه يفاجئ النُخَب بمدى ثقافته واطّلاعه وديالكتيته وغزارة مفرداته. إلا أنه ومن الواضح أن سلاح عزمي بشارة الأكثر مضاء هو عقله، فمع استيعابه الخطاب العربي التقليدي، ومعرفته حجم الفجوات فيه، (وكاريزماتيته) الواضحة، فقد استطاع مخاطبة العقل العربي من موقع المكتنز بالمعرفة والحركية المطلوبة لإقناع عقل استغرق طويلاً في اندهاشه بـ(الديموقراطية الإسرائيلية). أما فهمه العميق للفلسفة والقانون فقد ساعداه على فتح أبواب الديموقراطيات الغربية، حتى ليندهش المرء من حجم الدعم الذي تلقاه من النيابيين والمفكرين والصحفيين الأوروبيين. بينما ساعدته معرفته العميقة بلغة (أبناء سارة) في فهم آلية الخطاب والسياسة الإسرائيليين وابتكار آليات للرد باللسان عينه، حتى ليغار شمعون بيريز من لغته، و(تستحي) جماعة (إسرائيل بيتنا) من عدم مقدرتهم على فهم اللغة.
خاطب عزمي بشارة أهله فحرك فيهم الجذور الكامنة، ولذلك تحول (التجمع) خلال وقت قياسي إلى القوة المنفردة الأولى بين أحزاب عرب عام (1948م) فيما فرحت شرائح كثيرة في العالم العربي بصلابة وحجة انتماء الرجل إلى (سابق ومستقبل) ظنه أصحابه قد أفل وغاب حتى أنه فرض إعجاباً ممزوجاً بالغيرة على من يحققونه داخل (إسرائيل) نفسها. لقد استخدم (التجمع) والمحامون الفلسطينيون خلال محاكمة عزمي بشارة كل عدتهم المعرفية، وساهم الأصدقاء الكثير في تسليط الضوء على القضية، فموضوع المحاكمة نفسه يستبان للرأي على أنه مفتعل وكيدي وعنصري، وللقريب على أنه محاولة شطب واضحة، ومحاولة إعدام سياسي، وما تراجع (إسرائيل) عن إكمال المحاكمة إلاّ اعتراف بقوة هذا التيار، وقوة صحبته، وبأنها لا تملك أي مسوّغ قانوني.
لعلنا بتلك الإضاءة التي نقلناها من مقدمة خطّ سطورها غسان الشامي الذي مارس دوراً نشطاً في توسيع تعرف العالم العربي إلى قضية عزمي بشارة ورفاقه التي يناضلون من أجلها، لعلنا نكون قد قربنا للقارئ إلى حد ما الموضوع المحور في هذا الكتاب والذي من أجله كان صدوره. فشخصية عزمي بشارة التي استأثرت بها الصفحات هي من الأهمية بمكان إذ أنها تمثل عمقاً هاماً في تشكلات القضية الفلسطينية ذاك العمق يأخذ حيزاً له أبعاده في إحداث تغيير جذري في طريقة التعامل الإسرائيلي مع هذه القضية، ومع النظرة إلى الفرد الفلسطيني وإلى المجتمع الفلسطيني ككل، وذاك يشكل بحد ذاته دعماً للفلسطيني وقضيته إذ ما سار جنباً إلى جنب مع الانتفاضة وامتداداتها.
إذن هذا الكتاب يكتسب أهميته من منطلق أنه أول كتاب يصدر عن المسألة، أي قضية محاكمة عزمي بشارة، بنظرة شمولية للموضوع وبموافقة صاحب القضية، فعلى الرغم من صدور كثير من المقالات، ضمن العرض اليومي للأخبار، عن محاكمة عزمي بشارة، لكنها كانت تتعامل مع الحدث الآني. ويقول الناشر زياد منى في معرض تقديمه للكتاب بأن إسرائيل التي أرادت، ومن خلال محاكمة عزمي بشارة، أن تمارس بحقه “ديموقراطيتها” هي أرادت من خلال ذلك أن تخاطب عبره، كل الفلسطينيين في أراضي (48). وهو ما أدى إلى التعامل مع القضية من منظور شمولي.
وبالعودة إلى مضمون الكتاب، فقد تمّ اختيار افتتاحه بمقدمة كتبها الدكتور عزمي بشارة خصيصاً لهذا المؤلف. كانت المقدمة بمثابة رسالة يشرح فيها ضمن أمور أخرى دوافع “إسرائيل” وذرائعها لمحاكمته هو ورفاقه. أما الجزء الأول فقد ضمّ بحثاً كتبه عزمي بشارة لخص فيه، رؤيته وفهمه للقومي والوطني والمساواة، والروابط بينهما. بالإضافة إلى ذلك ضمّ الجزء الأول من الكتاب عرضاً شاملاً لقضية عزمي بشارة إلى جانب أبحاث قيمة ذوات علاقة بنضال أهلنا في (أراضي 48). وختم ذلك الجزء بخطاب د.عزمي بشارة في القرداحة، إضافة إلى لوائح الاتهام المرتبطة به وبتنظيمه زيارات (الأقرباء إلى سورية)، أما الجزء الثالث والأخير من هذا الكتاب فقد احتوى ترجمة النصوص الأصلية لمداولات المحكمة والتي انتهت بالحكم في القضية الأولى. وبالنظر إلى أبعاد القضية، فقد تم إغناء المؤلف بمجموعة من الوثائق الأصلية ذوات العلاقة التي يتصدرها بحث تفصيلي عن (حزب الله) أنجزه باحث “إسرائيلي” كلفه الدفاع تقديم آرائه القانونية في طبيعة الحزب. وهذا البحث الذي لم ينشر من قبل بأي لغة، هو على جانب كبير من الأهمية حيث يصل صاحبه إلى نتيجة مفادها “أنه يمكن الإقرار، بدرجة عالية من الوثوق إلى درجة ما، أن (حزب الله) هو منظمة حرب عصابات نموذجية، وكان هدفه الأساسي قتال الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وهذا النشاط أسهم بصورة مهمة، في تغيير الرأي العام، وأدى إلى انقلاب في تعامل أصحاب القرار في إسرائيل حيال استمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان، الأمل الذي انتهى بقرار الانسحاب في لبنان في أيار عام (2000م). وعندما أحرز هدفه هذا حصل انخفاض كبير في نشاطات حزب الله ضد إسرائيل.