تحميل كتاب شقيقة النعمان pdf
الكاتب: صراح الدالي
التقييم:5.00
صَدَرت رواية “شقيقة النُّعْمان” للكاتبة التونسيّة “صَراح الدالي” ،عن دار ديار للنشر والتوزيع في تونس، بِغِلافٍ للفنّان السّوري “رامي شَعْبو”.
وفي 248صفحة تضمّنَ الكتاب بَعْد الإهداء والمقدّمة التي وَضَعَها الأستاذ “حسين عمارة” للرواية ، فُصُولَ الأخيرة الثلاثة عَشَر ، وهيَ على التوالي شقيقة النّعمان، طائر الفينيق، سلال ورد وحكايات، طقوس، ألف ثقب وثقب، دم أحمر للتلوين، الحبل الزهري، أو كما تكلّم الله، الصّداع معجزتي، الدَّيْمَة لا تطير، قبل الربيع بِزَهْرَتين، فصل الرغيف، الخلاص.
على الرّغْمِ مِن أنّها عَمَلُها السّرديّ الأوّل كتبت “صَراح الدالي “ روايتها “شقيقة النُّعمان” بِلُغَةٍ مجازيّة مُتَوَهِّجة ، وبَنَتَ أحداثَها وشخصيّاتها وصاغت خطابها على ألسنة أبطالها في مناخ شِعريّ فلسفي، وكان الفنون مِن سينما ورسم ومسرح وموسيقا وغناء وَشِعْر أبطالاً أيضا لروايةِ “شقيقة النّعمان” إلى جانب الشهيدة “يارا” وصديقتها “طَيْف” و”إيليا” الراوي والذي يكتب حكاية “يارا” في آنٍ مَعاً.
يقول الأستاذ “حسين عمارة” في مقدّمته “..هذا النص السردي “شقيقة النعمان” يجابه بل يهدم المتفق عليه ويطرح طرائق أخرى في الكتابة (الزمان- المكان- الأحداث- الشخصيات…) إذ تعمدت صاحبة الكتاب هدْم الحواجز بين عناصر القص المألوفة؛ فتتداخل الأزمنة عن عمد وتُذيب الموانع بين المحسوس والغيبي (الشخصيات مثلا) لتقيم لنفسها وللقارئ سلطة جديدة عليها تريد تأسيس كتابها. والكتابة في رؤيتها هذه تجمع بين فن المشاهد السينمائية والحوار والقول الشعري، ومثلما يتداخل الحوار والسرد والشعر، تشكل الموسيقى والرسم حيّزا كبيرا. فالكاتبة وهي تقوم بذلك تدعو الى إذابة الحواجز بين الألوان الفنية واقامة لغة في الحوار والسرد جديدة، والى مراجعة البلاغة التقليدية..” ويختم الأستاذ عمارة مقدّمته بالإشارة إلى أنّ “ هذا الكتاب يحتجّ على حاضرنا فكرا وأدوات وممارسات ويدعو لمراجعة ما تكلّس فينا مؤكدا على أن الابداع عمل مركزي في الثقافة والتغيير الاجتماعي يمكن أن يكون جزءا من آليات تطورنا.”.
ونقتطف مِن أجواء الرواية”.. تساءلت في سرّي، لماذا اعتدنا أن نرى عناقيد العنب تتدلّى إلى أسفل، بينما هي في الحقيقة تسحب الروح إلى أعلى، وتتطاول لتعانق بها السماء؟ هل تنزف عناقيد العنب نبيذا حين تقطف مثلما تنزف الحمامة دما حين تذبح؟ هل سمع جلجامش حكمة سيدوري قبل أن يشرب كأسه الأخيرة؟ أما زالت سيدور تنطق بالحكمة وتوزّع النبيذ قرب معبد عشتار؟ علمتني أساطير يارا أن تمّوز المطعون يُبعَث حيا في كلّ ربيع في زهرة شقائق النعمان.أيمكن تصحيح خطأ الموت بالبعث وقد اقترب الربيع؟ أيمكن لأوراق شقائق النعمان أن تعيدها إليّ بستان ورد ووجد ووعد، لتريحني من تعبي ووجعي؟ كيف لا وهي التي قالت لي
“من دمّ تمّوز انبعثت زهرة شقائق النعمان، يموت تمّوز في كل صيف فتجفّ كل الوديان ثم يعود في نيسان حاملا مع سيلان دمه المتفجّر من أودية العروق شقائق النعمان.”
أيعقل أن تعود هي من ثقب ذلك الحائط؟ أيعقل أن أتمنى أنا شيئا كهذا؟
صرخت رغم علمي أنّ إلهي إنْ مازال حيا، أخرس، فهو منذ طفولتي لا يجيب مهما مددت كفّيّ.
“كفاي إليك ممدودتان سربا من الأطيار، أيّها الربّ، منذ طفولتي، أفلا ترى؟ عنقي أيضا وصوتي، أفلا تسمع…”
صرخت… فأجابني صدى المكتب الذي خوى من كل شيء بعدها، ثمّ قهقهة طيف الساخرة، فعدت لتأمّل الثقوب في حائطي، قلت في نفسي إنها أبواب لنجاتي، أبواب لعوالم لا أعرفها ولكنني أحبها، تأكل الاسمنت لتمنع اختناق الحائط واختناقي. فكّرت لأجد وسيلة ألج بها إحدى الثقوب علّي أجد حمائم تحمل لي رسائل يارا الملفوفة بحنينها والمختومة بأحمر شفتيها.
قلت في نفسي أيضا، إن أصغرها نوافذ لنجاتي، وإني سألجها حتما يوم تطبق علي الحياة أبوابها وتنفرد بي الوحدة، سأتسلل إليها وأنسى ارتعادي من الفراغ والحيطان المغلقة.
فجأة رأيت دخانا كثيفا يخرج من أصغر ثقب في حائطي، ظهرت يارا، تصارع، ليس ملامح طيف وزندها هذه المرّة، بل ضيق الثقب، وحولها ما يشبه الغيمة الصّغيرة، تحرّكت باتجاه الكرسي، بدأَت بالدندنة لفيروز. اعتدتُ ذلك الصوت إلى أقصى حدٍّ على الرّغم من شعوري بالألم دوماً لسماعه. لم تأبه بألمي واصلت الغناء ثمّ قالت
– “لماذا تعتني بهذه الثقوب يا إيليا؟ لديك النوافذ والباب، فلم الثقوب؟ تحزنني رؤيتك تصنع لنفسك بنفسك هكذا سجن.
اخرج من سجنك هذا وحدّث العالم عن الحقيقة، في يدك قلم رصاص لم تنفذّ به وعدك بعد، له ما يكفي من النور كي يصرخ بالحق، له ما يكفي من الأسرار كي يكتب عنّي وعنهم، هم المنفيين تحت الأقبية.
أتذكر يوم حدّثتك عن المعتقل الانفرادي وتعسّفه؟ إني أراه اليوم أقل ظلما وظلاما وشحوبا من سجنك هذا.”