تحميل كتاب رسائل خليل حاوي إلى نازلي حمادة pdf

تحميل كتاب رسائل خليل حاوي إلى نازلي حمادة pdf

الكاتب: نازلي حمادة

التقييم:3.33

Goodreads

فاجأ خليل حاوي الجميع بانتحاره، يوم تمكنت إسرائيل من معظم مساحة لبنان ودخلت بيروت سنة 1982، وكنا لا نزال نردد قصيدته الجسر و”لازمتها” “من كهوف الشرق من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد أضلعي امتدت لهم جسراً وطيد”، نرددها “خفافاً” طربين بجرسها وبمعناها، ونتخيل أننا الجيل المقصود بالنهضة، ولا أذكر أن أحدنا فكر في قراءة تاريخ كتابتها.

اليوم زال الوهم وترسخ في آن واحد. فما الجيل المقصود إلا جيل طلابه الذين كان يعزّيه أنهم أعجبوا بها، ويترسخ الوهم لأن الشعر يتجاوز الزمن، في حين أن زمننا القاحل لا يزال مستمراً، والجسر مضعضع يحتاج إلى أضلع جديدة لأجيال مقبلة. كم تساءلنا عن سبب انتحاره ولم نفهم أغواره. جاءنا الجواب يوماً بلسان أحدهم، عن الانتماء السياسي لخليل حاوي الذي يصعِّب عليه قبول أن تجتاح إسرائيل العدو التاريخي، بيروت. لكننا يومها لم نكن نفهم معنى أن تتوحد ذاتك بالوطن وأن يتوحد حزنك بالحزن العام والطويل والمخفي في الأمكنة التي تعيش فيها. كان علينا أن ننتظر سنوات لنفهم أن الخيبة في الوطن قد تغدو خيبة في الحياة تلازمك طوال حياتك.
ومع هذا، الشاعر الإنسان المرهف يحمل بذور ذلك التوحد في داخله ومنه تنبت شجرة الكآبة، فها هي رسائل كتبها إلى تلميذته نازلي حماده، تعطينا الجواب.
خليل حاوي، ككل فنان أو أديب، لا يحس بقيمة الحياة بسهولة ولا يطرب لما يطرب إليه الناس، يشكو تفاهتها في إحدى الرسائل، وإن كان يثمِّن اللحظات الممتعة التي يمضيها مع أصدقاء يبادلهم الآراء ويسوح معهم في بلاد جديدة “مسكين من يفوته المعنى العميق في مثل هذه الأحداث الصغيرة ولا يرى معنى للحياة إلا في ضجيج أحداثها الكبرى، والمهم هو الروح التي تعبر عن ذاتها في الأحداث وليست الأحداث نفسها”.
يوم عاد حاوي إلى بيروت، كان موقناً أن بيروت التمني والتشهّي أفضل من بيروت الواقع، وكان ذلك بعد أحداث 1958 التي آلمته، كيف وهو يعاني الحرب اللبنانية بشراستها، وتسقط الكلمات واحدة بعد أخرى تحت طلقات الرصاص؟ أي روح كان باستطاعتها أن تُعبّر عن ذاتها في ذلك المصاب الجلل؟ لقد سقط خليل حاوي شهيد الأحداث الكبرى بعدما افتقد في بيروت زمن الحرب “المعنى العميق” للأحداث الصغيرة.
حاوي الذي ظلّ يعاني بين 1956 و1995، زمن كتابة تلك الرسائل إلى تلميذته، الشعور بالغربة وبالاقتلاع من الجذور في انكلترا مع معرفته بآفات شعبه، ظل يحن إلى الصداقات وزمن “البراءة” التي يفسرها بحسب الشاعرة والناقدة الإنكليزية كاثلين رين، وفق قصيدة وليم بليك “أغاني البراءة والتجربة”، بأنه لا بد للإنسان من خسارة الجنة والبراءة معها في تجارب الحياة، لكنه يستعيدها وهو أقوى بعد أن يعرف الشر ويتغلب عليه فيغدو كل ما فيه طاهراً “حتى اللذات الحسية تغدو بريئة صافية لأنها تعرت من الشعور بالإثم”. خليل الذي يؤيد رأي برنارد شو بأنه يصعب أن نوفق في الأدب بين ربّين، المرأة والخلق الفني لذا نعبد الثاني، ينطلق على سجيته في رسائله إلى تلميذته، مستعيداً هو نفسه براءة الطفل وسخرية البروفسور في كتاباته.
يعيّر نفسه في إحدى الرسائل بركاكة عبارته (لا نظنها كذلك) وبالتطويل، لكنه يضيف “الله يبارك بالشهادات، إذا توفق (أي هو) بالدكتوراه اللقب بيستر طابقه”.
خليل حاوي متشائم واقعي، أما كنا نحس هذا في شعره؟ زهده مبرر، بعد يأسه من الواقع، وكان يظن قصيدة “الجسر” سفر العبور من العبودية إلى الحرية، من الموت إلى “الحياة الأبدية”. “سوف نحاول أن نحقق ما لا يستطيع تحقيقه دجالو العلم والسياسة في لبنان”. فإذا بالدجالين لا يزالون غالبين.
تبقى رسائله “تضيء كقناديل الذكرى”، وشكراً للتلميذة التي نشرتها.

مي باسيل