تحميل كتاب دماء في الخرطوم pdf
الكاتب: عماد البليك Emad Blake
التقييم:3.24
قراءة يحيى الناعبي - شاعر وكاتب من سلطنة عمان
في رواية “دماء في الخرطوم” لعماد البليك الصادرة عن دار الفارابي في بيروت تناول فيها جوانب متعددة منها ما هو سهل الكشف في أحداثها كالسلطة والوسائل والطرق التي يستخدمها مريديها، والتناحر الخفي الذي يتم بيد أفرادها من اجل تطبيق نظرية البقاء للأصلح، والدهاء والخبث مع الكذب المستمر من اجل التضحية بالآخر للوصول إلى رأس القمة في الهرم السياسي والنفوذ، وأيضا هناك طرق خفية لا يستطيع المجتمع اكتشافها إلا من خلال فضحها قبل المتلصص لسلوك أصحاب السلطة والمتنفذين والمتربص خلف أدق التفاصيل في خطواتهم.
كما شملت الرواية على جانب صوفي التعامل، يتمتع به المجتمع السوداني بما فيه أصحاب السلطة وهذا ملاحظ بشكل كبير في حوادث متعددة نادرا ما تكون عندهم حيث غالبا من يستبعد في الروايات والحياة الواقعية موضوعة التأنيب للضمير، مما يثير اندهاش القارئ في كل فصل من فصول الرواية، فبعد أن يستبيح السلطوي دماء الآخر وينهب خيرات البلد ويستخدم أساليب ملتوية للوصول إلى مصلحته الشخصية تراه بعد كل هذه الكتل من الشر بوجوهه المختلفة، تغلب عليه الطيبة وصحو الضمير المفاجىء بلا مقدمات، وكأنما تنبت زهرة في صحراء جرداء، وهذا الجانب كان متكررا بشكل واضح وربما يعود ذلك كما ذكرت سابقا إلى الحالة السودانية بخاصة، فتركيبة الإنسان السوداني كما تحدثت عنها وقائع الرواية هي تلك التي تتمتع بالعنف والقسوة وتقديم المصلحة الشخصية وبعد الوصول إلى المبتغى تبدأ بالتراجع نحو إصلاح ما تم إفساده وكأنما ملائكة الرحمة نزلت تتلبس فيه شخصيتها.
قد يجد القارئ في الرواية على أنها تنحاز إلى الطابع البوليسي، كغيرها من الروايات البوليسية والتي اشتهرت بها الروائية اجاثا كريستي، وليس بعجب في ذلك للمتتبع في تفاصيلها ولكن ما يلاحظ ان الروائي دسّ في متونها بعض البذور للسلوك من خلالها التعرف إلى سلوك أصحاب المكان، كما يلاحظ أيضا في النتائج بعد كل مؤامرة من قبل الأشخاص لا تكون كما يريدون بل تكون العكس برغم دراستها جيداً وربما يوحي ذلك حول النظرة بين الخير والشر على أن الشر دائماً ما تعكس نتائجه توقعات فاعله، وهي نظرة بما فيها من السذاجة إلا أن المجتمع دائما ما يعتبرها أكيدة ويسعى إلى تصديقها عميانا، وأيضاً دائماً ما تكون الرواية البوليسية صالحة لكل مكان، إلا أن البليك أصرّ على أن تكون روايته لها خصوصية المجتمع السوداني.
للرواية أبطال عدة سواء كانوا في السلطة أم أنهم في التنظيم، فلم يهتم الروائي بالبطل بقدر اهتمامه بمصير الحدث، وبالتالي نجد إن غالبيتهم أبطال ومجرمين في آن، وذلك بسبب ما ذكرت سابقاً هي حالة تأنيب الضمير التي يعيشها المجرم ليتحول إلى ضحية لما اقترفه.
تحكي الرواية حول مقتل أحد الأثرياء والمتنفين في السلطة سابقا (السيد عربي) من قبل خلية تنظيمية بقيادة العقيد (ميسرة) خريج لم يعمل مارس كافة التنظيمات السياسية والحزبية كالإسلامية والماركسية والجمهورية وغيرها، منذ أن كان طالباً في كلية الطب بالجامعة.
ولم تتح له الفرصة بالعمل، حيث ان البطالة تهيمن كثيراً على الخريجين بالسودان مما يضطر الكثير منهم الهجرة إلى الخارج والعمل لسنوات طويلة ومنهم من يكمل مسيرة حياته بالخارج.
استغلت الخلية وضع السيد عربي الشاذ وممارسته الشذوذ مع الغلمان لتدس إليه أحد أفرادها ومن ثم يقوم بدوره بتجنيد اثنين ممن كانوا يمارسون معه الفعلة، بحيث يتم قتله بالسكين، وقد كانت الحادثة لها وقعها عند المجتمع وألمها الكبير، كون أن السيد عبدالله يلقى احتراما خاصا من قبل المجتمع، حيث انه كان يمثل دور الرجل الطيب الذي يعاون المجتمع ويتبرع لأفراده في مشاريع خيرية ويبني لهم المساجد وهو في الحقيقة يمارس ذلك من أجل مصالحه الشخصية وثرواته الموزعة بين السودان والخارج.
الجريمة كانت مطلوبة من قبل الأمن الداخلي، حيث أن أحد كبار جنرالاتها مهتم بالتخلص منه وهو لؤى سليمان وذلك لأسباب تتعلق بالتنافس بين الاثنين في منصب رفيع بالدولة، فيبقى الصراع بين الشرطة تحت أمرة اللواء طه عبدالرحمن مدير عام الشرطة ومحجوب العوض مدير الأمن الداخلي، الأول يبحث عن الحقيقة لإلقاء القبض على المجرمين والثاني يحاول تغييب الحقيقة وبالتالي يختلق أبرياء لتمثيل دور المجرمين في قتل عربي ومن ثم يتم إعدامهم ظلما. ذلك بسبب الصراع بين عبدالرحمن والعوض لمصالح شخصية، وأيضا كان إصرار العوض على أن لا يكون عبدالرحمن بطلا تمكن من القبض على المجرمين الحقيقيين، ولكن برغم كل جهوده نحو إفساد العملية توّج عبدالرحمن بوسام من قبل رئيس الجمهورية كون المقبوض عليهم هم المجرمين، دون أن يحسب العوض ما آلت إليه النتائج الإيجابية لعبدالرحمن، مع العلم أنهما تخرجا من مدرسة واحدة وكانوا أصدقاء.
عبدالحفيظ ابن السيد عربي، جاء قريبا من الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن عاش فيها سنوات طويلة وتخرّج منها، عمل في المقاولات، كان جديا وأيضا متطبعا بالسلوك الغربي الذي اكتشف لاحقا انه لا يصلح في مجتمعه الحالي، له صديق اسمه بروك علاقتهما قوية، مع العلم إن والدي الصديقين كانا أصدقاء والعلاقة بين العائلتين مستمرة منذ الاستعمار حيث كانت هناك مصالح مشتركة تخدمهما، وكان بروك يحاول دائما أن يزرع في نفس عبدالحفيظ استمرار البقاء في السودان بعد الحادثة وان يتكيف ويتطبع مع سلوكهم، وليس كما جاء به من أمريكا، وإلا سوف يفشل في التعامل معهم.
اخته زينب تعيش مع زوجها في لندن، جاءت فقط بعد علمها بالجريمة، ثم عادت مع طفلها إلى لندن حيث زوجها، وهي تعتبر بلدها وموطنها الأصلي مليء بالتوحش والإجرام .
أفراد خلية ميسرة، معظمهم من العاطلين على العمل والخريجين من جامعات وكليات مختلفة وبالتالي فهم ضحية الفقر والبطالة ليرسموا هوية خاصة بهم، وكان الكتاب التأسيسي الذي وضعه القائد ميسرة لأفراد الخلية ينبني على تقديم المنفعة الخاصة لكل فرد حتى ولو كان على حساب الجماعة والتنظيم، وهنا تجد الغرابة في رؤية الكتاب، إلا أن البليك كان يريد إيصال أن الموضوع الرئيسي يتحدد في المصلحة الشخصية التي تتصدر كل شيء سواء بالأمن الداخلي أم بالشرطة أم بالتنظيم أم بين أفراد المجتمع وتلك المصلحة بطريقتها الفجة والمبالغ فيها.
لم تحمل الرواية طابع التلاعب باللغة وإدخال مصطلحات معقدة بل ان عماد البليك أرادها أن تكون سلسة حتى لا تغيب الفكرة منها وعمل على تتبع المضامين، بحيث يعيش القارئ أجواءها، والجيد في أنه استطاع أن لا يخمن القارئ نهايات أحداثها بل طوال قراءتها لا تستطيع الحدس بمعرفة تفاصيل النهاية والتي جاءت على عكس المتوقع فعلا، فمثلاً انتحار مدير الأمن الداخلي، وحالة الغيبوبة لمدير عام الشرطة بعد أن تعمّد في اصطدام سيارته ببوابة الأمن الداخلي لمعرفة حقيقة إعدام أبرياء بتهمة هو متأكد بعدم ارتكابها ولم يفتح له الباب لمقابلة القائم بأعمال مدير الأمن بعد غياب مدير الأمن السابق منتحرا ، كما إن القائد ميسرة وبعد سلسلة من الأعمال الدموية ابتداء من السيد عربي وانتهاء بعدد من أفراد خليته يغير مفاهيم الكتاب التأسيسي إلى مفاهيم إصلاحية للمجتمع وأعمال خيرية للناس مما يثير غضب أحد قادة الخلية ومساعده فضل الله، فيعملون على تصفيته.