تحميل كتاب حفيد امرئ القيس pdf

تحميل كتاب حفيد امرئ القيس pdf

الكاتب: Saadi Youssef

التقييم:3.41

تاريخ النشر: 2006
Goodreads

«حفيد امرئ القيس» هو عنوان الديوان الجديد للشاعر سعدي يوسف الصادر حديثاً عن دار المدى (دمشق، 2006) وهو عنوان يطرح اكثر من سؤال شعري بعد ان قطع الشاعر، على مدى اكثر من نصف قرن، مسافات في «التجديد» و «التجريب» الشعريين، أصبحت تفصله عن الجذور الواقعية المتعينة أو المتخيلة، التي اصبح معها انفتاحه على الماضي جزءاً من انفتاحه على الحاضر والمستقبل. وقد أوجد، هو نفسه، تقاليده الشعرية الخاصة، ما يثير السؤال عن مغزى هذا «الانتماء رمزاً» الى «ماض» تتعدد وجوه انتمائه ذاتاً وتاريخاً.

لماذا يختار الشاعر، في هذه الحقبة من الشعر والعمر، امرأ القيس من بين جميع الأسماء، وفي مختلف العصور ليخص نفسه بالحضور من خلاله، حفيداً؟ ام ان «الحفيد» «يحاول أمراً» (تغيير الحياة، أو تحويل العالم) فيستعيد وجه سلفه ليبلغ «الهدف» رمزاً، ومن خلال الرمز؟ هل يتماهى مع «الجد» في اختيار النسبة والنسب؟ أم ان «الحفيد» وهو يستدعي «سلفه» رمزاً إنما يستعيد به ومن خلاله روح فرض الوجود في العالم، ان لم يكن بـ «الفعل» فالبرغبة في الفعل التي تعلن هنا عن نفسها قولاً، فيقبض بمصير نفسه ومصير العالم من حوله؟ ام هو الرمز طاقة شعرية تحرك فيه نزوعات الحياة والبقاء في ما هو اكبر وابعد؟
هل هو هذا كله، أم هو في شيء منه؟ أم ان الشاعر فيه يعمد الى إبداع رمزه الخاص من خلال وجه مألوف شعرياً وتاريخياً؟ هذه تساؤلاتنا. أما تساؤلات الشاعر فتأتي في هذه القصيدة «اهو ذنبك انك يوماً ولدت بتلك البلاد؟ ثلاثة ارباع قرن وما زلت تدفع من دمك النزر تلك الضريبة - انك يوماً ولدت بتلك البلاد(…) المصيبة انك تحمل أوزارها في انتفاء البلاد».
قد تكون هذه التساؤلات مدخلاً مناسباً لقراءة الديوان وقد تأتي توطئة لهذه القراءة، لا بحثاً عن جواب لها، وانما مدخلاً لقراءة الديوان في ما يجسد من أجواء شعرية المشترك بينها الإدانة، وإعلان الخيبة والخسران.
فإذا ما عدنا الى ما قبل، في ما هو ابعد زماناً، سنجد الشاعر، ومنذ نحو نصف قرن، يعيش ما يمكن تسميته «التوترات الإبداعية» التي لم تكن، في معظمها، الا انعكاساً لتوترات سياسية الطابع، اذ جعل من حالة «اختلافه» حالة شعرية كثيراً ما عبرت عن نفسها في مواقف اختيار حاسمة (أسير مع الجميع وخطوتي وحدي…)، ولعل ما شد الشاعر الى هذه الطريقة قناعته بأنه انما يقدم بها ومن خلالها، طرقاً جديدة في رؤية الواقع.
في بعض أعماله الاخيرة، ونتيجة الغربة وبعدها الزماني والمكاني في نفسه، نجد الشاعر، في غير قصيدة في الديوان الجديد هذا، وهو يستعيد هويته هوية المواطنة والانتماء الى الزمان التاريخي ومكان حركة هذا الزمان، لنجده اوسع تأثراً بتراثه الشخصي (المعطيات التي ابتنى منها ذاته الاولى)، متحركاً، شعرياً، في عالم محمل ببعض «الخصوصيات الذاتية»، فضلاً عن «الخصوصيات التاريخية»، المكانية منها والزمانية، لنجد صورته شاعراً اعمق واقوى مما كانت عليه في حقبة سابقة على الحقبة الحالية. كما ان لغته اضحت هنا، لغة الجذور، الثقافية والمكانية، لتكون من اقوى المؤثرات في شعره هذا وقد اصبح، في اية حقبة ما بعد الاحتلال الاميركي - البريطاني للعراق، يخاطب الاهتمامات الوطنية لدى الانسان، ويثير اسئلة هذا «الانسان الوطني» باستدعاء حس المواطنة عنده.
ان هذه العودة الى الجذور هي عودة من لا يريد ان يخسر «ذاته- تراثه». وهو اذ يستعيد ذاته في بعدها هذا، انما يعيد ترتيب انساق الموقف ازاء كل من الذات، والوطن، والتاريخ، وهو ما اتاح له ان يكتشف رموزه ويحدد مراياه… وحتى متاهاته.. فجاءت قصيدته متشكلة من حركات ذاتية وواقعية تحمل دلالاتها.
في سياق هذه القراءة للعمل الشعري الجديد للشاعر يمكن ان يثار السؤال عما اذا كان (الشاعر) في ما يتخذ في شعره من رموز (ومنها الرمز المركزي امرؤ القيس) انما يريد توجيه الصراع، لا في الشعر وحده بل وعلى ارض الواقع ايضاً، وجهة جديدة، أو مغايرة لما كانت عليه قبل اليوم. وهو سؤال يثير بدوره، اكثر من قضية اشكالية تتصل بالرؤية الشعرية للشاعر، وهي رؤية موجهة داخل القصيدة التي تشكل مداراتها عبر هذه الرؤية.
ان قصيدة سعدي، لا في هذا الديوان وحده وانما في جل أعماله الشعرية الاخرى، قصيدة غير معقدة التكوين، بسيطة التركيب والتشكيل الشعريين.. النثر فيها يحاذي القول الشعري- وان كان لا يطفئ اشراق عبارته. وهي قصيدة تقول ما يريد الشاعر قوله بصورة لا تعتريها مناورة أو تعقيد. اما «رموزه» فهي الاخرى لا تخرج في شيء عن هذه الحدود - حدود الواقع «انا منتظر ما يمحوه الليل اختفت الزرقة منذ الآن ولست ارى الاّ طيراً مسكنه سقفي القرميد».
الا ان هذه «الرموز» التي يبدأ بها ومنها، لا تلبث ان تسلمه الى تداعيات الذات، فمن هذه التداعيات ما يكون تاريخياً مرتبطاً بالمكان (البصرة ما صلّت لأذان يرفعه بشار البصرة لم يرعشها مقتل بشار).. ومنها ما يجيء شديد الارتباط بالأحاسيس والمشاعر الذاتية للشاعر (اختفت الزرقة والليل يغور اعمق حتى من تهجئة الديجور).
إن فسحة الواقع هي اكثر ما يشده، فيحدد رؤيته فيه، واستجابته الشعرية لما يصدر عن هذا الواقع تعمق، بتواليها، ادراكه للواقع. كما ان هذا الواقع، بمفردات حياته وبوجود الاشياء داخله وما تخلق من معان، أصبح مصدراً من ابرز مصادر «ثقافته اللغوية» حضوراً في شعره.. فإذا كلمات كثيرة التردد في قصيدته، مثل القرية، الملاحين، القوارب.. وسواها مما يتشكل أو يصدر عن «رؤية بصرية» تخلقها المشاهدة. كما نجد عبارات شعرية تصوغ نفسها (او يصوغها) مستمدة مقومات صيغتها من هذا الواقع «ينفتح الشاطئ كالحدوة…» أو «تجلس بين الناس، في المقهى (او الحانة) عصراً ترقب الآتين أو تأخذ شيئاً…»
وفي قصائد اخرى نجده بين عالمين، عالم ذاته هو، وعالم الواقع، وحتى ان بدا كل من هذين العالمين متكاملاً فهو غير منسحب من الآخر، أو مستقل عنه، بل كثيراً ما يحيل اليه، وقد لا يجد التكامل متحققاً الا معه.