تحميل كتاب جدلية الخفاء والتجلي pdf

تحميل كتاب جدلية الخفاء والتجلي pdf

الكاتب: كمال أبو ديب

التقييم:4.33

تاريخ النشر: 3-1979
Goodreads

ليست البنيوية فلسفة، لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود. ولأنها كذلكم فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقعه منه وبإزائه. في اللغة، لا تغير البنيوية اللغة، وفي المجتمع، لا تغير البنيوية المجتمع، وفي الشعر، لا تغير البنيوية الشعر. لكنها، بصرامتها وإصرارها على الاكتناه المتعمق، والإدراك متعدد الأبعاد، والغوص على المكونات الفعلية للشيء والعلاقات التي تنشأ بين هذه المكونات، تغير الفكر المعاين للغة والمجتمع والشعر وتحوله إلى فكر متسائل، قلق، متوثب، مكنته، متقص، فكر جدلي شمولي في رهافة الفكر الخالق وعلى مستواه من اكتمال التصور والإبداع. ولأنها كذلك تصبح البنيوية ثالث حركات ثلاث في تاريخ الفكر الحديث يستحيل بعدها أن نرى العالم ونعانيه كما كان الفكر السابق علينا يرى العالم ويعاينه. مع ماركس ومفهومي الجدلية والصراع الطبقي، بشكل خاص، أصبح محالاً أن نعاين المجتمع كما كان يعاينه الذين سبقوا ماركس. ومع الفن الحديث، وبعد أن رسم بيكاسو كراسيه -كما يعبر روجيه غارودي- أصبح محالاً أن نرى كرسياً كما كان يراه الذين سبقوا بيكاسو. ومع البنيوية ومفاهيم التزامن، والثنائيات الضدية، والإصرار على أن العلاقات بين العلامات، لا العلامات نفسها، هي التي تعني، أصبح محالاً أن نعاين الوجود -الإنسان والثقافة والطبيعة- كما كان يعاينه الذين سبقوا البنيوية. بهذا التصور وبالإصرار عليه، يكون هذا الكتاب -الذي يهدف إلى اكتناه جدلية الخفاء والتجلي وأسرار البنية العميقة وتحولاتها- طموحاً لا إلى فهم عدد محدد من النصوص أو الظواهر في الشعر والوجود، بل إلى أبعد من ذلك بكثير إلى تغيير الفكر العربي في معاينته للثقافة والإنسان والشعر، إلى نقله من فكر تطغى عليه الجزئية والسطحية والشخصانية إلى فكر يترعرع في مناخ الرؤية المعقدة، المتقصية، الموضوعية، والشمولية والجذرية في آن واحد أي إلى فكر بنيوي لا يقنع بإدراك الظواهر المعزولة، بل يطمح إلى تحديد المكونات الأساسية للظواهر -في الثقافة والمجتمع والشعر- ثم إلى اقتناص شبكة العلاقات التي تشع منها وإليها، والدلالات التي تنبع من هذه العلاقات، ثم إلى البحث عن التحولات الجوهرية للبنية، التي تنشأ عبرها تجسيدات جديدة لا يمكن أن تفهم إلا عن طريق ربطها بالبنية الأساسية وإعادتها إليها، من خلال وعي حاد لنمطي البنى البنية السطحية والبنية العميقة.