تحميل كتاب تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي pdf
الكاتب: إبراهيم الحيدري
التقييم:3.58
قليلة، بل تكاد تكون منعدمة، هي الدراسات المعمقة والمرتبطة بمراسيم العزاء الحسيني، وتكمن ندرتها في التأصيل لعدد من المفاهيم المرتبطة بتلك المراسيم من جهة، وتفكيكها لعدد من الممارسات من جهة أخرى
وتأتي دراسة الباحث والأنثروبولوجي العراقي ابراهيم الحيدري « تراجيديا كربلاء … سوسيولوجيا الخطاب الشيعي» التي تقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة برلين العام ،1975 لتسد نقصا وفراغا كبيرين في المكتبة العربية والإسلامية، إذ تكاد تكون الدراسة اليتيمة من نوعها من حيث شموليتها وعمقها ومسحها لصور ومشاهد تلك الممارسات والتعاطي معها
تبرز قضية غاية في الأهمية لابد من الإشارة إليها قبل البدء في استعراض الكتاب والوقوف على أهم فصوله وموضوعاته، تتعلق بنمو وتطور الوعي الشعبي الذي رافق صور وجوانب مراسيم العزاء الحسيني، وهو وعي راكمته من جهة طبيعة الأنظمة الشمولية بدايات ظهور الملامح الأولى للعزاء الحسيني، ومن جهة أخرى تحول ذلك الوعي إلى جزء من الذاكرة ومفصلا مهما من مفاصلها من خلال القيام بطقوس تلك المراسيم ونشوء ثقافة البكاء، ثقافة الحزن. وهي ثقافة بدأت في سنواتها الأخيرة تنحسر في جانبها المقتصر على اللطم والإيذاء الجسدي والاكتفاء بسرد السيرة في شكلها المكرور. حدث ذلك في ظل تعدد الوسائط الإعلامية التي أسهمت إسهاما مباشرا في تنوع الأنشطة والمراسيم المرتبطة بالعزاء الحسيني ومن ثم تصاعد الوعي بالأهداف الكبرى والنبيلة التي انطلق منها الإمام الحسين «ع» في تفجير ثورته والخروج على النظام الأموي الغارق في تجاوزاته الخطيرة التي مست وطالت الإسلام ورموزه في العمق.
في الفصل الأول من الكتاب، يستعرض الحيدري ملامح التاريخ الاجتماعي في الزمان والمكان، في محاولة منه لرسم صورة لبنيته وخصوصياته ومخلفاته المثقلة بالأحزان، وكذلك عرض الأزمات التي رافقته والتي بدأت مع أول صراع في الإسلام على الإمامة والسياسة، الذي كشف لنا آليات الوصول إلى السلطة
في الفصل الثاني يستعرض الكاتب مراسيم العزاء الحسيني، بدءا بوقائع معركة الطف، تلك المأساة الدامية التي مثلت أول تراجيديا في الإسلام والتي بقيت حية في ذاكرة المسلمين وخصوصا أن الحسين «ع» انطلق دفاعا عن الإسلام وبيضته، إذ ليس بوسعه، وهو وريث النبوة آنذاك، أن يرى استباحة المحارم وتصاعد التجاوزات من قبل السلطة الأموية، ليس بوسعه أن ينكفئ على نفسه دونما خروج يلفت نظر الأمة إلى طبيعة الخطر الماحق الذي يتهدد الإسلام والمسلمين جراء تلك السياسات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة
أما في الفصل الثالث منه فيتتبع أثر العوامل الدينية والاجتماعية والسياسية في تطور وازدهار العزاء الحسيني في العراق، والتي تعود في جزء منها إلى الأوضاع الاجتماعية المزرية والنزوح الريفي إلى المدن
وفي الفصل الرابع يستعرض الأهمية الدينية والاجتماعية - السياسية للمدن الدينية في العراق، وخصوصا العتبات المقدسة كالنجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء وبغداد، وكذلك دور السادة والشيوخ والأولياء والطرق الصوفية في العراق وأهميتهم الاجتماعية
أما في الفصل الخامس فيتطرق إلى أهم الأبعاد الأساسية لظاهرة العزاء الحسيني، مؤكدا أهميتها من الناحية الدينية وفلسفتها الاجتماعية، منطلقا من العلاقة الجدلية القائمة بين تراجيديا الألم في كربلاء وفكرة الأمل المنقذ الذي تضمنه استشهاد الإمام الحسين والذي تم بإرادته واختياره، ومن أجل تثبيت عقيدته وترسيخ مبادئه، عن طريق الثورة ضد الظلم والاستبداد.
الفصل السادس تناول البعد الفلكلوري لمراسيم العزاء الحسيني، وخصوصا مواكب العزاء ومسرح عاشوراء «الشبيه» وخصائصه الفلكلورية، مع تحليل سوسيولوجي للشعر الشعبي الحسيني باعتباره تعبيرا عن الحرب ضد الذات المهانة وشكلا للتطهير الذاتي
ويتعرض الحيدري في الفصل السابع والأخير لمحاولات الاستغلال والتشويه التي دخلت إلى مراسيم العزاء الحسيني من قبل أصحاب المصالح والأغراض، مع أن هذه المراسيم تملك صمامات أمان داخلية نسبيا، تجعلها بعيدة عن الاستغلال والتدخل، باعتبارها رمزا من رموز الرفض والتضحية والفداء