تحميل كتاب تاريخ ألمانيا الهتلرية 4 pdf
الكاتب: William L. Shirer
التقييم:4.17
تسعة وعشرون عاماً انقضت منذ وصل هتار إلى دفة الحكم في ألمانيا، ليقضي اثني عشر عاماً فقط، قائماً على أمرها، موجهاً سياستها، ومتصرِّفاً في أمرها، تصرف الحاكم الفرد، الذي تعتبر مشيئته قانوناً وإرادته شرعة وسنناً، وليترك من الدوري في العالم بأسره، ما لم يتركه أي فرد آخر، وعلى نفس النطاق من الإتساع، الذي لم يقتصر أمره على زاوية أو ناحية أو قارة، وإنما شمل كل مكان على وجه هذه البسيطة.
وكان العالم في هذه الفترة القصيرة التي حكم فيها هذا الطاغية المصاب بجنون العبقرية ولوثة التعصب الأعمى للنزعة الفردية والعنصرية، يقف مبهور الأنفاس، مشدوه الفكر، متوتر الأعصاب، يشهد شريطاً سينمائياً متحركاً بسرعة جنونية، قوامة الإثارة، ولحمته العمل المتهور العجول، وسداه المهابة والخوف النابعان عن الإرهاب والبطش، فهو لا ينتهي من أزمة يثيرها هذا الحاكم الفرد، ألا ويجد نفسه محاطاً بأزمة تفوقها بأساً وعنفاً، وتبزها تهوراً وجنوناً، إلى أن يصل الشريط إلى ذروته، متمثلة في الحرب الكونية الثانية التي شملت كل أرض وبحر وسماء، والتي سجلت من الأهوال ومناظر الرعب، ما لم تسجله أية حرب سابقة لها، في مدى إتساعها وشمولها، وكثرة ضحاياها وخسائرها، ثم ينتهي بالصورة الحتمية التي تمثل نهاية كل طاغية.
وقد عاش الكثيرون من أبناء هذا الجيل، وقائع هذا الشريط من أولها إلى آخرها، واكتوى بعضهم بنارها، وتأثر بأهوالها ومفازعها، ولكنها غدت بالنسبة إليهم أمراً من أمور الماضي، وشجناً من شجون التاريخ القريب، لكن الكثيرين، وأعني بهم أبناء الجيل الجديد الصاعد، لا يذكرون من أمره شيئاً سوى ما يقرأونه في بعض الكتب والسير والمذكرات التي كتبت بعد إنتهاء الحرب الثانية، والتي لم تكن شاملة كل الشمول في عرضها.
وهذا الكتاب الضخم المؤلف من أربع مجلدات هو صورة مرعبة للأحداث التي مر بها العالم، في الربع الثاني من القرن الحالي، تحاول الموضوعية محاولة جدية صادقة، ولكنها لا تستطيع الخروج على الهوى، إذ أن راسمها، عاش في خضم تلك الأحداث، ورأى ويلاتها، وتابعها متابعة شخصية بحكم عمله الصحفي الذي اقتضاه العيش في ألمانية هتلر، وفي ظل رايخه الثالث، ثم عاد بعد إنتهاء المعركة العالمية المخيفة ليدرس كل ما ظهر من وثائق عنها، دراسة العليم ببواطن الأمور، الخبير بتسلسل أحداثها، ليخرج من كل ذلك بهذا الجهود الضخم الذي أرى أن أصدق ما قيل في وصفه ما نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية في عرضها للكتاب إذ قالت “لا نستطيع أن نتصور كتاباً يوضع بين أيدي القراء الذين يرغبون في معرفة ما وقع في ألمانيا بين عامي 1930 و1945، وفي رؤية الأسباب التي تدفع المرء إلى عدم نسيان تاريخها أعظم من هذا الكتاب الرائع الشامل.
وعندما يطالع القارئ هذا الجهد الضخم يكاد يلمس أن مؤلفه كان يكتبه بمداد من آلامه، متأثراً بالأحداث التي عاش في خضمها، ويحس بأن هذه الآلام وذلك التأثر كانا العامل الأساسي في خروجه على الموضوعية حيناً وإنسياقه مع عواطفه أحياناً، وإن كان هذا الخروج وذلك الإنسياق لا يمسان جوهر الموضوع الذي يعالجه ولبابه، وإنما يتناولان بعض العبارات التي يستخدمها في وصف حادث أو رسم شخصية، دون أن يضعفا من قيمته كتاريخ.
لكن هذا الشعور الذي يحس به المؤلف وهو يكب على هذا التاريخ يرسمه لقرائه، صورة في حد ذاتها لما يحس به الجنس البشري قاطبة، بإستثناء قلة من الناس، تزدهر مصالحهم على آلام الآخرين، وتتضخم ثرواتهم على حساب الويلات التي تنزل بالبشرية، ولعل أحسن ما قيل في التعبير عن هذا الشعور ما كتبه أحدهم - وهو المستر سنو - معلقاً على هذا الكتاب إذ قال “إنه لعرض شامل رائع، لما يقف اليوم دون أن تعرض للشك، كأسوأ حقبة في التاريخ الإنساني، ومن المهم أن لا ننسى هذا التاريخ أبداً، وقد عزمت عزماً أكيداً على أن لا أنساه”.
أجل إنه تاريخ لا ينسى، وضعه المؤلف كان من أبرز رجال الصحافة لا في بلاده أمريكا فحسب بل وفي العالم أيضاً، وقد عاش في باريس ولندن وبرلين وفيينا ورومة، ورافق هتلر في نشوئه وأوج قوته، وكان آخر صحفي أمريكي غادر ألمانيا يعد نشوب الحرب العالمية الثانية، وقد قضى في إعداده أكثر من خمسة أعوام درس في غضونها أطنان الوثائق وعشرات الكتب.