تحميل كتاب بين الصحراء والماء pdf

تحميل كتاب بين الصحراء والماء pdf

الكاتب: محمد عيد العريمي

التقييم:4.17

تاريخ النشر: 6-2008
Goodreads

لم يعد النموذج الروائي الأوربي هو الوحيد في المشهد الروائي العالمي إذ اقتحمه باقتدار زخم من الروائيين المنتمين إلى أمريكا اللاتينية ومنهم على سبيل الاستدلال غابرييل غارسيا ماركيز ولا سيما في روايته الشهيرة “مائة عام من العزلة” إذ انبثقت رؤية مؤكدة هي أن المرقاة إلى العالمية لا يمكن أن تتحقق عبر تقليد النموذج الروائي الأوربي وإنما عبر سلم المحلي وتفاصيله بل المغرق في محليته، وهو على وجه الدقة ما يشكل نبرات الصوت الخاص والبصمات التي لا تشبهها أية بصمة أخرى، وهذا ما أكده تماماً الروائي العربي العالمي نجيب محفوظ حين عبر من خلال زقاق المدق وخان الخليلي. وها هو الروائي العماني محمد عيد العريمي ينطلق من هذه الرؤية ذاتها كي يشتشرف أفقاً جديداً بسعة الصحراء والماء قطبي هذه الرواية المهمة مجذراً لهذا الانتقال من البداوة إلى المدينة وبأسلوب الفنان الذي يجيد اختيار الزاوية التي ينفذ منها إلى مثل هذا الموضوع المركب مع استيعاب لا يخفى لطبيعة الفن السردي التي تنفر من المباشرة والقيود القسرية ولغة التنظير وتلوذ بدلاً عن ذلك بالتقنيات والأدوات الفنية السردية من شخصيات وحوار وحدث وفضاء زمكاني وجمل سردية ناصعة.

وتشع هذه الرواية بمحاور عدة لا يمكن التوقف عندها جميعاً، بيد أن أهمها من وجهة نظري هو هذه الرؤية المتوازنة للغرب الأوربي إذ تخلو هذه الرواية تماماً من الانبهار التام حد الحيرة وهي الرؤية التي كرسها توفيق الحكيم في روايته المعروفة “عصفور من الشرق”.

وفي رواية بين الصحراء والماء يمكن أن تكون الأمريكية “راكساند دي براون” ترميزاً للغرب الأوربي وأميركا على وجه التحديد، وإذا كان “ود عيد” بطل الرواية لم يحسن التصرف مع “راكساند” في أول لقاء له معها فإنه استطاع أن يكسب احترامها واحتفاءها به بعد ذلك، يرد في الرواية ومن خلال مذكرات “راكساند” التي أهدتها له في حفل تخرجه “انتهيت قبل قليل من جلسة المحادثة الأولى مع محمد… هذا الفتوى العربي الساذج الذي أمضى الساعة الأولى ينظر إلى الزرين النافرين من تحت البلوزة على جانبي صدري أكثر مما كان يستمع إلى الكلمات التي تخرج من فمي” ولكن الفتى البدوي وبعد بضعة أشهر فقط يندغم بقوة مع ذلك المجتمع المتحضر ويستطيع أن يغير الانطباع الأول عنه حين تكتب عنه “راكساند براون” اتضح لي أن الفتى العربي الذي وصفته بالسخف خلال لقائي الأول به حينما كنت أتدرب في معهد اللغات بالكلية، اتضح لي اليوم أنه نبيل الخلق، فقد حضر إلى الكنيسة لمواساتي بوفاة جدتي، كان يرتدي حلة سوداء أنيقة ويمسك بأصابعه السمر وردة بيضاء وضعها بخشوع جم إلى جانب الجثمان، وعندما أهالوا التراب على التابوت كان كتفه يلامس كتفي، شكراً يا محمد”.

وبذلك يثبت محمد ود عيك بطل الرواية وبما لا يدع مجالاً للشك أن البداوة التي حملها على رأسه وأسلوب تفكيره بوصفها بنية فكرية وثقافية حاضرة في كيانه لم تقف حائلاً بينه وبين أرقى أنماط الحضارة أعلاها شأواً هناك في الغرب الأميركي، ولم تدفعه تلك البداوة إلى الانكماش والانغلاق وإنما أثبت محمد ود عيد أنه قادر على أن يتكيف وبمرونة عالية لهذا الزحم من الأفكار والسلوك والرؤى التي لم تدر بخلده حين كان محاصراً برمال الصحراء وقيمها وتقاليدها.

ولأن صلة “ود عيد” بالصحراء هي صلة الأم بولدها فإنه يتماهى بقيمها وعاداتها التي تغلغلت إلى أعماق ذاته، يرد على لسان بطل الرواية “أنا بدوي عجنته صحراء الربع الخالي بقسوتها ملول وصعب المرأس، شبيه بالبيئة التي جاء منها، تلك التي استنفدت كل ما لديه من طاقة على الصبر” بيد أن هذا لا يعنى وبأي شكل من الأشكال أنه نظر إليها بناء على رؤية رومانسية أو افتراضية بل إنه كابد مرارتها وخبر جدبها وعاش حرمانها وهو ما نستشفه من خلال سطور رواية محمد عيد العريمي التي يصعب أن نحدد الحد الفاصل فيها بين الرواية والسيرة الذاتية، فهي رواية مضمخة بعبق السيرة الذاتية، أو أنها سيرة ذاتية مصوغة وفقاً للتقنية الروائية، وفي كل الأحوال نسج العريمي نسيجاً يقع ما بين الرواية والسيرة الذاتية أو لنقل إنه ألغى الخط الفاصل بينها، وقادته موهبته إلى نمط آخر من السيرة الذاتية التي تتخطى حدود الفرد الواحد لتعبر عن سيرة أمة بأكملها، ومن منا يجرؤ على إنكار جذره البدوي بيد أن هذا الجذر يمكن أن يكون ميزة حين تمتد بعض القيم الصحراوية النبيلة إلى أعماق إنسان هذا العصر ولا سيما جيل الروائي ذاته، بيد أن هذا الجذر قد يكون عبئاً ثقيلاً على كاهل إنسان هذا العصر حين ينكمش على بداوته ويعجز عن التواصل مع مستجدات هذا العصر.