تحميل كتاب السياسة باعتبار الباطن pdf

تحميل كتاب السياسة باعتبار الباطن pdf

الكاتب: عبد الغني العمري

التقييم:4.00

تاريخ النشر: 7-10-2016
Goodreads

من الكتاب عن مقصد الكتاب

والربانيون إما يكونون من رجال الغيب، وإما يكونون على صلة بهم. ورجال الغيب هم أهل الحكم من حيث الباطن، كما هم أهل الحكم الظاهر رجال الشهادة. ورجال الغيب الذين يترأسهم القطب، لا يحكمون بلدا أو إقليما وحسب، كما هو شأن أهل حكم الظاهر؛ وإنما يحكمون العالم دنيا وبرزخا. وهؤلاء يعلمون ما قضى الله في عباده قبل أن يبرزإلى الحس في الظاهر؛ بل يكونون هم القائمين على تنفيذه في البلدان والقرى والأشخاص. فمن كان منهم، فإنه يكون على علم )بإذن من الله( بما قضى الله في خلقه. ومن يسترشد برجال الغيب، أو بمن يتصل بهم، فإنه يظفر بعلم جليل، يمكنه أن يضبط عليه اختياراته في الظاهر، إن شاء الله له التوفيق.

والسياسة التي يعرفها الصوفية، هي سياسة النفوس في طريق التقرب؛ وهم أهلها وأحق بها. وهذه لعمري هي السياسة بالمعنى النافع فإن قيل ومن لنا بمن يواجه الخصوم والأعداء كما ذكرتَ؟.. قلنا إن الربانيين لا يقوم لهم خصم ولا عدو، في العالمين لأنهم قائمون بالله، لا بأنفسهم.. ومن كان الله يريد بإرادته، فكيف يحتاج إلى هذا اللعب الطفولي الذي يسمونه سياسة؟.. ما بين العارف المحقق وبين وقوع الأمر، إلا أن يريده تحققا بحال أهل الجنِة في الدنيا قبل الآخرة. يقول الله عنهم في هذا المعنى لَهمُ البشْرى في الْحياةِ الدُّنـيا وَفي الْآخرة  ]يونس 64[. والبشرى هي العلامة التي تدل على تحقق المراد؛ ولا مراد عند هؤلاء إلا أن يتولى الله منهم الظاهر والباطن

افترقت الأمة إلى شيعة وسنة. فمالت الشيعة إلى الباطن، وإن لم تتبين تنزيله على الوجه الصحيح دائما، كما ذكرنا عن الخلط الذي وقعوا فيه سابقا؛ ومال “أهل السنة” إلى الظاهر، فانجر عن ميلهم ما أصاب الحكم من آفات لا زالت الأمة تعاني آثارها إلى اليوم.


من مقدمة المؤلف

ولقد ذكرنا ضمن تعريفنا لطريقتنا أننا لا نشتغل بالسياسة كما يعلمها الناس اليوم؛ وإنما نكتفي بمواقف سياسية بحسب ما يأمر به الشرع الحكيم. وكنا نريد من هذا التعريف، أن يفهم عنا أننا لا نريد حكما )ولا نصلح له بحمد الله(؛ ولا نريد إنشاء حزب أو جماعة دينية سياسية، كما صار يعرف في هذا الزمان. ولا زلنا على رأينا، لم نحد عنه، ولن نحيد إن شاء الله؛ لأن تربية القلوب عندنا تتنافى مع شَغلها بالدنيا وما يوصل إليها. وهذا الأمر عندنا هو روح الدين، الذي من دونه يموت وإن أبقي على صورته. لذلك، فإنه لا يمكن أن يكون محل مساومة لنا، وإن وقع ما وقع.

لكن موقفنا المبدئي، لا يمنعنا أن نبدي رأينا فيما نعايشه من أحداث، تهم وطننا أو أمتنا جمعاء، بما لا يعد تسي سا بالمعنى الضيق؛ وإنما بما يدخل ضمن التأصيل للعمل السياسي، من حيث الشرع على الخصوص؛ وبما يمكن أن يكون تصويبا )إن صح( لما نتناوله من ممارسات.

وبما أن مجتمعاتنا قد شاع فيها ما صار يسمى “الإسلام السياسي”، الذي تعددت الاجتهادات فيه؛ والذي خرج في الآونة الأخيرة حتى عن أصوله الاجتهادية، ليلاقي السياسة بالمعنى العام المعروف لدى العوام؛ إلى الحد الذي كادت تضيع فيه المعالم المميزة بين الشرعي منها، وغير الشرعي، فإننا نرى أنه من الواجب علينا )لا من باب الخيار(، أن نتكلم في بعض الجوانب التي نرى أنه ضروري للمتدين معرفتها، قبل أن ينطلق في العمل المباشر إن رغب فيه. ذلك أن الله شاء أن لا يكون الناس على مذهب واحد ولا رأي واحد، وإن كانوا ضمن أمة واحدة.

وإننا بهذا الكلام، لا نريد أن ننتصر لطرف على آخر؛ ولا أن نبني لأنفسنا مكانة على حساب المصلحة العامة، ولا أن نضل أتباعنا بتوجيههم إلى غير الله، معاذ الله.. لذلك، فلن يهمنا إن قبل كلامنا أو ر د؛ ولن يهمنا أن كلامنا صب في مصلحة فريق مخصوص، ر حب به لموافقته مصلحته وقتيا، ليغيظ به خصومه؛ ولن يهمنا أن ينصرف عنا الناس؛ ما دامت تربيتنا، لا تنتج دنيا يتقصدها سقيم قلب، وما دمنا نصدر عن الحق وحده.


مرادنا من هذا الكلام، التنبيه إلى جوانب قد تخفى عن جل المشتغلين بالسياسة من الإسلاميين، إرضاء لله وحده، في القيام بواجب النصيحة. ونؤكد أن كلامنا يتوجه إليهم قبل غيرهم من مختلف التوجهات السياسية، بسبب وحدة المرجعية بيننا. أما من يخالفنا في المرجعية، فلا نلزمه نحن بكلامنا، ولا ننتظر منه أن يلتزم هو به؛ إلا ما كان منه تطوعا، في إرادة تعرف ما نُدلي به؛ أو إن كان من الباحثين عن الحق حيث كان. وإن كان هذا الصنف الأخير نادرا في قومنا، لأسباب معلومة للجميع، وأخرى قد نعرض لها في أثناء الكلام.

والله الهادي إلى سواء السبيل.