تحميل كتاب السلطوية في التربية العربية pdf
الكاتب: يزيد عيسى السورطي
التقييم:3.40
بمقدمة الكتاب, يقول المؤلف, “إن التربية التي تقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية, هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد, وتدمير المجتمع…فإذا كانت التربية تهدف إلى بناء شخصية الإنسان بشكل كامل, وشامل ومتوازن, فإن الاضطهاد ينتج شخصية ضعيفة ومشوهة ومضطربة وغير متوازنة”.
ويتابع إن التربية تضع “نصب الأعين إعداد الفرد المفكر والمبدع والمتفوق, أما الاستبداد فيؤدي إلى تقويض مهارات الإنسان, وشل قدراته, وتعطيل طاقاته, والحد من إبداعه”.
ويخلص للقول بأن “الوعي بالسلطوية في الميدان التربوي خطوة مهمة نحو التخلص منها, وتحرير الفرد والمجتمع”.
إن السلطوية, برأي الكاتب, إنما هي ظاهرة تتفشى في العديد من النظم التربوية والتعليمية في الوطن العربي, فتعمل على “الحد من كفايتها وفعاليتها, وتسهم في إعاقة تحقيقها أهدافها…إذ الجو الذي يسيطر على عدد كبير من المؤسسات التربوية العربية, هو جو الكبت الفكري, الذي يعمل على تعطيل طاقات النمو, ويؤدي أحيانا إلى رفض الطالب لتلك المؤسسات”.
السلطوية في التربية العربية هي ظاهرة تربوية, يزعم المؤلف, تمتد جذورها في البنية الاجتماعية العربية التقليدية, التي تخشى إطلاق القوى الإبداعية وتنكرها, وتحاول كبتها, وتشجع الانقياد والامتثال والإذعان والاتكال والتقليد والمحاكاة, وتعمل على التكيف والاندماج ضمن البنية الاجتماعية القائمة.
إن إحدى ميزات طرق التدريس بالمدارس العربية مثلا, إنما تعمد على أساليب نقل المعرفة والمضامين المنهجية إلى المتعلمين بطريقة التلقين الصرف, حيث ينحصر دور الطالب, بكل أسلاك التعليم بما فيه التعليم العالي, في الحفظ والتذكر وإعادة ما يسمعه, من دون أن يتعمق في مضمونه.
إن طريقة التدريس هاته, يقول الكاتب, إنما من شأنها تعميق التسلط, وغرس الاستبداد, وتعميم طقوس الاستسلام والقبول, المحيلة صوبا على العجز في التحليل والمعرفة, فتنشأ, في ظل هذه النظم, أجيال غير قادرة على التحليل والتفكير, فما بالك أن تكون سليمة الشخصية, متوازنة ومتناسقة.
ويلاحظ المؤلف أن السلطوية لا ينحصر مفعولها في التلقين, بل يتعداه إلى المناهج الدراسية, حيث “يسود المفهوم التقليدي للمنهج, الذي يقيد الطالب بالكتاب المقرر, بصفته الأوحد للمعرفة. وقد أجرى أحد الباحثين دراسة على بعض الكتب المدرسية العربية, واستنتج أن تلك الكتب لا تحاول أن تقدم في تفسير الأحداث, من خلال وجهات نظر متعارضة, ليلم الطالب بجميع الجوانب, بل تعود الطالب التفسير الواحد والرأي الواحد, والذي هو سمة سلطوية بارزة, من سمات عدد من المناهج العربية, التي تفتقر إلى الوسائل التي تؤدي إلى تنمية شخصية الطالب, بشكل متوازن ومبدع”.
بالتالي, يتابع الكاتب, فعوض أن يعمل الإشراف التربوي مثلا, على استنبات جو من التفاعل بين المشرف والمتعلم, نجد أن المشرفين غالبا ما يكونوا متعالين ومترفعين, “حتى يكاد ينطبق على العلاقة بين الطرفين, وصف أحد المربين لها بأنها نوع من الحرب الباردة”.
نفس الأمر يمكن ملاحظته أيضا على مستوى الإدارة التربوية العربية, والتي لا يزال يغلب عليها طابع التسلط والتمركز الشديد, والبيروقراطية في اتخاذ القرار. وهو الطابع الذي “يعبر بدرجة أو بأخرى, عن الفلسفة الإدارية السائدة, التي تضع الإدارة العامة في خدمة الحاكم أو الفئة الحاكمة, والتي تعطي أهمية أقل للفئات التي تقدم إليها الخدمة”.
من جهة أخرى, يلاحظ المؤلف أن هذه التسلطية لا يمكنها بالمحصلة, إلا أن تعمل على خلق حالة من التسليع التربوي, والذي هو “أحد مظاهر السلطوية التربوية العربية, التي تعمل على تحويل التربية من رسالة سامية, إلى سلعة تجارية تباع وتشترى, ويستطيع البعض الحصول عليها, بينما يعجز البعض الأخر عن ذلك”. وهو ما يفرز “بيئة ملائمة لبروز التسلط, والمطامع الشخصية والمكاسب الفردية, وطغيان المنافع الذاتية على المصالح الجماعية”.
ولعل تزايد أعداد المدارس والجامعات الخاصة بالعديد من الدول العربية, إنما يؤشر بقوة على طبيعة التسليع المرتكز على المنفعة الذاتية والخاصة, وكذلك على الاستقالة التامة للدول والحكومات, من هذا القطاع الباني لحاضر الأمة ومستقبلها, سيما في ظل تسارع وتيرة بناء مجتمعات المعلومات والمعرفة, المرتكزة على البحث العلمي والإبداع التكنولوجي, والتفاعل والأفقية في التلقي والتعلم.
يحيى اليحياوي
الرباط, 3 دجنبر 2009