تحميل كتاب الحكاية الجديدة pdf
الكاتب: محمد خضير
التقييم:4.62
سيرة نظرية تنساب في مجرى مجاور القصص.
في العنوان الثانوي الذي وضعه الناشر على غلاف كتاب محمد خضير “الحكاية الجديدة “، تم ترحيل جنس الكتاب الى النقد فقد وضعت عبارة - نقد أدبي - بينما هو ليس كذلك تماما، فالكتاب هو مجموعة محاضرات سبق لمحمد خضير أن قدمها لجمهور من الأدباء والطلبة, أنها محاضرات تمت إعادة صياغتها في الكتاب لتغدو مقالات “وما زالت هذه المقالات تحتفظ بذلك الطابع التجريبي المنفرد، فلم تدخل في حساب النقد الأدبي ومنهجيته, ولا في مداخل النظرية الأدبية ومصادرها، الا بما سمح المدخل المشترك بين التجربة الخاصة والمبدأ العام”.
هي مجموعة من النتائج الشخصية التي توصل اليها الكاتب في بحث مطول حول الحكاية, أسرارها تفاصيلها عناصر تكونها وكذلك تأريخيتها ووظيفتها أيضا. ومن ثم فهي براهين بسيطة في اشكال القص يحدو الكاتب الأمل في تثبيتها مثلما فعل من قبل ألان روب غرييه في (نحو رواية جديدة )، وميشيل بوتور في (بحرث في الرواية الجديدة )، وأمبرتوإيكو في (العمل المفتوح ).
الكتاب تضمن عدة فصول تتضمن رؤى الكاتب في الحكاية ومقترباتها في النص القصصي، وأغلبها كانت تتمحور حول سؤال نشط وذكي وجوهري “أي دافع هائل خلف أو أمام هذه الرحلة الطويلة ؟ لماذا هذا الانتزاع الرمزي والتحليق فوق الطبيعي، وفوق الواقعي على عالم البشر؟
ما من إجابة كاملة ما دامت الرحلة مستمرة.”
يأخذنا محمد خضير الى “عصور الحكاية “ ويسميها عصر النشأة, وعصر اكتشاف الحكاية وعصر العودة الى الحكاية. وهو العصر ألذي تماد فيه أكثر من كاتب الى “كهوف الرمز المغلفة بالأحداث الخيالية حيث البشر يفقدون أنوفهم, أو يخترقون الجدران بسهولة, أو يتجاوزون جاذبية الأرض دون عودة “. ونقرأ في أصول الحكايات الغربية, الايطالية والانجليزية.. نجد عناصر الاتصال مع الحكايات التي يزخر بها الشرق, هنا يقدم الكاتب لابديهيات التأثر وما نقل عن استفادة الغرب من الشرق في بناء حكايته الخيالية, بل يقدم تحليلات تاريخية سوسيولوجية في هذا الشأن “إن انتقال الحكايات العربية والحكيمة الى أوروبا يعد أسطورة بحد ذاتها، فقد عكف الرهبان والرحالة في الخفاء على ترجمة نسخ عربية وهندية وأحيانا من ألسنة التجار والمسيحيين الهاربين من الدولة الاندلسية في ظروف خيالية وغامضة. وكان الصراع من أجل الحصول على النسخ الأصلية يتم بأساليب أكثر تعقيدا وغموضا. كما كانت النسخ تختفي أو تضيع أو يقفل عليها في مكتبات الاديرة والقصور، يحذف منها أو يضاف اليها”. ثم يذهب الى توصيف للحكاية حين تم تأصيلها كعنصر للتداول الذهني والمعرفي في الغرب ويسمى طرفي التداول بين الحاجة الذهنية والحسية للناس من جهة وبين التفاصيل الجديدة للأحداث في الواقع والتي كانت تصعد على حساب أنهيار القيم القديمة. فيما يسمي عناصر الخصب في الحكاية العربية ويعتبرها خروجا على عملية القسر التي طبعت الحياة العربية في أغلب فتراتها. ومن عرض كهذا لعناصر الحكاية وعصورها الى تشخيص لمهمة القص, والمهمة الأثيرة للقصاص, فهو عند محمد خضير، مثلما حرف صغير، سليل المهرة في العمل اليدوي وألذي يتصاعد عبر عمله الاحساس بالتأمل والبطء، والدقة, والاخلاص, والزهد، والكفاف. ويذهب عبر هذا الى كشف آرائه الشخصية عن بعض ما يحكم كتابة القصة عراقيا وعربيا، وسبل الخروج من الانماط والعودة الى روح الحكاية ونبعها. فيما حفل فصل “القصاص المجهول “ بصياغات عالية لفكرة القناص بين ما يكتبه القاص حقا ويكونه في الواقع من سيرة, فيتوقف عند زعم مؤلفي القصص على أنهم يستمدون أحداث قصصهم من واقع الحياة, بينما “النص لا يؤلف أو يصنع, وانما هو يوجد، بصوره وأفكاره في الطبيعة, فيجلبه (المؤلف ) الأخير الى المكان والزمان اللذين يناسبانه “.
ولكتاب القصة أو الحكاية, مدينة وهمية مشتركة, فهناك عناصر واحدة, هي عناصر الحلم, ورموز تتصل بين أقاليم قد لا يجمعها الا الخيالي, هكذا أثبتت براهين القصة أن اليوتوبيات ليست خارجنا. وهذه البراهين يرسم لها محمد خضير خطاطات من جهده الشخص, فيها توضيح لطرق التأثير والتتابع ما بين نواة القصة, اليوتوبيا، البحث أو السفر، المخطوطة وعلاقتها بالواقع, المؤلف أو الراوي ثم التشكل عبر النص. هذا يشكل لاحقا القصة, علاقتها بالتمثل الذهني ثم من كل هذه العناصر هل ستكون ثمة دلالة على وجود المؤلف ؟ ci انها تدلل أصلا على مجهوليته ؟.. أسلوب الخطاطات الشروحية, يستخدمها الكاتب في فصل آخر من كتابه, هو “مجرات التأثير” للتدليل على فكرته التي يرى فيها بأن الآثار الأدبية تترتب بتعاقب تاريخي زي بؤرة مركزية جاذبة يمثلها (أثر أصلي ) يولد حوله مدارات متراكزة, متوالية. وعطفا على فكرة اليوتوبيا وأثرها في الحكاية ثم في شكل القصة, يبحث مطولا في “مدينة الرؤيا” ويذهب الى تفصيلاتها، هندسيا، معرفيا، خلاصة بحث وتوق انساني ونماذج من علاقات تتصل أو تنفصل.. وفي آخر كتابه, يتحدث محمد خضير في لقاء أجراه معا الشاعر رياض ابراهيم, حول عناصر الكتابة القصصية. في تجربته الشخصية… متعة لا تضاهى في صياغة الكتاب لفريا وعقليا وإحكاما في النتائج وأسلوب عرضها.. أبعد عن منهجية النقد كانت (مقالات ) محمد خضير في كتابه “الحكاية الجديدة “. ولكنها الاقرب الى دقة الترصيف وعلميته…
علي عبدالأمير