تحميل كتاب الثقب الأسود pdf
الكاتب: عبد اللطيف علوي
التقييم:4.50
جاءت هذه الرواية لتملأ هذا “ الثقب الأسود “ بتغطية جزء من تاريخه و تنصف أولئك الذين قدموا للوطن من أجسادهم و أرواحهم وليمة للطغاة و عاشوا عذابات القهر ليكونوا إرهاصات الثورة . جاءت لتقول “ نحن الأجيال السابقة هاهنا موجودون فالتفتوا إلينا . لقد أخذنا نصيبنا من القهر و الاستبداد . نحن من دفع الثمن مسبقا و راكمْنا الحقد الثوري و أورثناه لأبنائنا لذلك كان الانفجار سريعا و مفاجئا حيث لم يصمد نظام القمع البوليسي إلا أيّاما معدودة . أمّا على المستوى الشخصي فالدخول في عمر الخمسين ربما كان حدثا مفزعا من الناحية النفسية حيث يستبد هاجس النسيان و الخوف من ضياع ذكريات الطفولة و الشباب بما يوحي أنّ عمر الخمسين هو بمثابة “ ثقب أسود “ يبتلع الماضي بكل أحداثه و هكذا تتجلى دلالة العنوان ذاتيا و موضوعيا و تتضح ضرورة ملء ذلك الثقب الأسود لإحداث التوازن بين تاريخ الوطن و تاريخ الذات .
على المستوى الفني هي رواية مكتملة الأركان من أدب السجون و لا ينفع القول بأنها سيرة ذاتية أو رواية تسجيلية لوقائع عاشها الكاتب لأنّ السيرة تتسرّب بالضرورة في كل عمل فني و كذلك هاجس التسجيل . و لا نعدم وجود كل منهما في هذه الرواية و لكنّ الكاتب صهر كل ذلك بطريقة ذكية بين المتخيل الواقعي و الواقعي المتخيّل .أمّا تقنية السرد الاسترجاعي حيث البدء بآخر حدث ثم التداعي نحو الماضي فقد تجسّد في حدث قتل الطليق من طرف فدوى العمدوني بطلة الرواية و حدث دخول خالد الشرفي السجن قبل ذلك . سرد دائري منغلق و خط واضح نعلم نهايته منذ البداية لذلك عمد الكاتب إلى نوع من التعمية و التشويق الحارق عبر تلك الرسالة العاطفية التي بعثت بها البطلة إلى بطلها في سجنه فأحيته و أنعشته و أنعشت أملنا في لقاء بينهما يصنع الحياة من جديد . كانت تلك الرسالة صدقا طافحا و رومانسية منسابة و نهرا من حنان أسطوريّ جعلنا نحلم طيلة الرواية بلقاء بين البطلين و أنسانا تماما أن البطلة متورطة في جريمة قتل و آيلة لا محالة إلى ثقب ألأسود. أمّا المضامين فقد امتازت ببساطة الطرح ، خلاصته فضح خصائص النظام الاستبدادي القائم أساسا على القهر الذي يمكن أن يجسّده عون بوليس أو مخبر أو رئيس شعبة أو رئيس عمل في حلقات مترابطة غايتها واحدة إذلال الشعب و الحط من معنوياته و زرع الخوف فيه لضمان خضوعه و استسلامه للأمر الواقع . حالة اغتصاب جماعي لا يملك فيها الشعب إمكانية رفع رأسه في وجه مغتصبيه ، بل حالة انغلاق تام على الماضي و الحاضر . نكوص لا تطلّع فيه إلى الشمس وراء “ الثقب الأسود “ .
أمّا الأسلوب الفنّي فقمة الإبداع فيه أنه جاء منسجما تمام الانسجام مع الفترة المظلمة التي يتحدث عنها . حقبة فيها الكثير من المرارة بسبب الظلم و القهر . لذلك و أنت تقرأ سرد الحكاية تستشعر المرارة في حلقك و في أنفك و في عينيك و ربّما الملوحة أيضا قد تصيب دماغك بلوثة القرف مما حدث و يحدث . لغة فيها الكثير من التشذيب و القص و القطع و الاختزال ، بمثابة قمع ذاتي لمراكمة الأحزان في الداخل . اغتصاب آخر للغة هذه المرّة لا نعلم أهو قناعة فنية من الكاتب أم انعكاس لطبيعة المرحلة و مقاربة للواقع كما هو دون زيف أو تزيين . يقول الشاهد “ أنا أيضا كنت حين أكتب لها أبتلع أكثر الكلمات حتى يغصّ بها حلقي و أشعر بها تتكدّس مثل جبال من الرمل في رئتيّ “ ص 228 .و من دلائل الصدق في هذا الأسلوب تلك المراوحة بين رومانسية شفافة حين يتعلّق الأمر بالريف و ناسه و لغة فظة غليظة ، خشنة و سليطة أحيانا لمّا يتعلّق الأمر بسرد وقائع القمع في أقسام البوليس أو في السجون .طبيعة الريفي الرومانسي الحالم الذي تقابله المدينة بالجحود و النكران فتتلبّس روحه روحان روح الحلم و المودّة و روح التمرّد و القسوة . يقول الشاهد “ كان خطئي أنّي تربّيت على أيدي الفراشات و الحساسين و الجنادب في أرض تأكل أبناءها “ . ص 229 . حقيقة إن الأسلوب هو الشخص .
و ككل عمل فني متكامل يحترم متلقّيه عمد الكاتب إلى بثّ رسالة مبطّنة من خلال رمزية الأحداث و على القارئ الفطن أن يجتهد في استقرائها . رسالة قامت على حدثين متناقضين خروج خالد الشرفي من السجن في نفس اليوم الذي ألقي فيه القبض على فدوى بسبب جريمة قتل لتدخل السجن بدورها في اليوم المفترض للقاء حبيبها . رسالة يمكن أن نفهم منها أنها تحذير شديد اللهجة من تحوّل البلاد إلى “ ثقب أسود “ دائم يأكل أبناءه الواحد تلو الآخر و يمكن أن نفهم منها رسالة إيجابية جدا مفادها أنّ البطلة قد تحرّرت من مغتصبها عبر قتله حيث لم يعد مسموحا بتواصل اغتصاب هذا الشعب و الرسالة الثانية حملها البطل عند خروجه من السجن حيث أعلن تحرّره من عامل الخوف و تتكامل الرسالتان بإعلان نهاية الاستبداد عبر كسر مقوّميه الخوف و الاغتصاب الجماعي للحريات و الحقوق . ربما هذا تبشير بعقلية الجيــل الجديد ما بعد الثورة مفــادها أنّ الوطن كان “ ثقبا أسود “ في
الماضي و لكنه في المستقبل أبدا لن يكون