تحميل كتاب التُحفة العراقية في الأعمال القلبية pdf
الكاتب: محمد وفيق زين العابدين
التقييم:4.47
قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَينَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ استَبرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرعَى حَولَ الحِمَى، يُوشِكُ أَن يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى الله في أَرضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِىَ القَلبُ)، قال بعض الشُراح (هذا الحديث عليه نور النبوة، عظيم الموقع من الشريعة) وقال آخرون هذا الحديث ثُلث الإسلام، وبعضهم قال ربعه، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (هذا الحديث حديث عظيم، وهو أحد الأحاديث التي مدار الدين عليها، وقد قيل إنه ثُلث العلم أو ربعه)، وخصه بعض المُصنفين بالتأليف وأحصوا له فوائد جمة
فبعمل القلب يدخل المرء الدين، وبعمله يخرج من الدين، وقد يدخل الجنة بعمل القلب، وقد يخرج من النار بعمل القلب، فالإيمان لب الإسلام، ولُب الإيمان التصديق واليقين، واليقين عمل القلب، وهو أول ما سيُحاسب عليه العبد، فصلاح القلب مُستلزم لصلاح سائر الجسد، وفساده مستلزم لفساده، فعلى القلب وعمله صلاح حركات العبد، واجتنابه للمحرمات والشبهات بحسب صلاح قلبه، فإن كان القلب سليمًا ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، انبعثت جوارح العبد على الطاعة، ونشأ عن ذلك اجتنابه المحرمات والوقوع في الشبهات، وإن كان القلب فاسدًا فاستولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، انبعثت جوارح العبد على ارتكاب المعاصي واكتساب الآثام والوقوع في الشبهات بحسب هوى القلب، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم، وهذه مناسبة قوله صلى الله عليه وسلم (أَلاَ وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِىَ القَلبُ)، عُقيب قوله (فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ استَبرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يُوَاقِعَهُ)، أي من اتقى الأمور المُشتبهة عليه التي لم يتبين له حرمتها من حلها فإنه غير معرض دينه وعرضه للدنس والصَغَار، ومن لم يتقها فإنه مُعَرض دينه وعرضه للشَيْن والشَنَار، ولهذا يُقال القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده، فهم مُنبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره
وهذا كتاب [التحفة العراقية في الأعمال القلبية] لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - وهو من أعظم ما كُتب في الأعمال القلبية بحق - تكلم فيه مُؤلفه رحمه الله عن الأعمال القلبية؛ الصدق، والإخلاص، والتوكل، والرضا، والمحبة، والخوف، والرجاء، والتوبة، وغيرها، مُبينًا منزلتها عند أهل السُّنة، ومنهجهم فيها، ومُفرقًا بين طريقتهم وطرق الغالين فيها والجافين عنها