تحميل كتاب التلامس الحضاري الإسلامي - الأوروبي pdf
الكاتب: إيناس حسني
التقييم:2.83
الإسلام اليوم - نوافذ - محمد بركة
ظلت الحضارة الإسلامية تسيطر على العالم طوال خمسة قرون، وكانت ممثلة للحضارة الإنسانية طوال العصور التي سيطرت فيها، ومازالت آثارها واضحة في تلك الحضارات، إذ إن العناصر الحضارية الإسلامية قد دخلت ضمن التراث الإنساني، حيث إنها ارتبطت وأثرت في أمم المشرق والمغرب، وغيرت كثيرًا من أقطار آسيا وإفريقيا وأوروبا، وكان لهذه الفنون الإسلامية تأثير واضح في فن النهضة الأوروبية، من خلال عدة روافد ومصادر، هي العلاقات التجارية بين الشرق وأوروبا، وأيضًا الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا ضد الشرق الإسلامي، وكذلك حج الأوروبيين إلى الأراضي المقدسة بفلسطين، واهتمام الملوك والأمراء في أوروبا بالفنون الإسلامية عن طريق اقتناء الأعمال الفنية التطبيقية والخط العربي والسجاد الإسلامي. ومن هنا تأتي أهمية كتاب التلامس الحضاري الإسلامي-الأوروبي للدكتورة إيناس حسني، والذي صدر حديثًا عن سلسلة عالم المعرفة التي تصدر عن المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب.
يتناول الكتاب العلاقة التأثرية المتبادلة بين الحضارتين الإسلامية والأوروبية، وتخصص المؤلفة عدة فصول لمناقشة هذه العلاقة.. تشير المؤلفة إلى أنه لم يكن احتكاك أوروبا بالشرق العربي الإسلامي يحدث فقط عن طريق المبادلات الثقافية أو الدبلوماسية أو التجارية؛ بل كانت هناك حروب عديدة، ابتداءً بالحروب الأندلسية ثم الحروب الصليبية والحروب العثمانية وحروب نابليون، وكانت قصص الحروب تصل إلى خيالات الفنانين.
ويسعى الكتاب إلى الإجابة عن بعض الأسئلة العميقة التي تشغل بال المهتمين والمشتغلين بالفن الإسلامي، وبالعلاقة بين الحضارتين الإسلامية والأوروبية، ومنها
ـ كيف تمكَّن الفن الإسلامي من بلورة شخصية متميزة ومتكاملة، نابعة من فكر مسلم مؤمن بالله الواحد، وذلك في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز قرنًا من الزمن؟
ـ وما الذي يميز الفن الإسلامي عن غيره من الفنون، كالفن الغربي والفن البوذي…؟
ـ وما الأسباب التي تضمن الاستمرار لهذا الفن، علمًا بأنه الفن الوحيد الذي استمر خمسة عشر قرنًا؟ ـ وما أوجه تأثير الحضارة والفن الإسلاميين على الحضارة والفن الغربيين؟..
وجاء الكتاب في تمهيد وأربعة أبواب، موزعة على اثني عشر فصلاً، لبحث ذلك الموضوع..
تناولت الباحثة في الباب الأول ـ الذي جاء في ثلاثة فصول ـ الفن الإسلامي والنهضة الأوربية، فتناولت في الفصل الأول مصادر الفن الإسلامي، وفيه أكدت الباحثة على أن ظاهرة التأثر بالفنون السابقة لا ترجع إلى الفن الإسلامي فقط، بل هي ظاهرة عالمية وسنة طبيعية، فما من فن إلا واقتبس من آثار الفنون السابقة، وما من فن إلا وتلقَّى مبادئ صناعته من فن سبقه. والفن الإسلامي لا يشذ عن هذه القاعدة، فقد تأثر بالفن البيزنطي والفن الساساني، بدليل وجود بعض خصائص هذين الفنين في الآثار الإسلامية الأولى، وتأثر كذلك بالفن القبطي الذي اقتبس منه المسلمون بعض عناصره، ثم طوروها وأدخلوا عليها عناصر أخرى أصبحت فيما بعد من خصائص الفن الإسلامي.
ولقد استطاع الفنان المسلم أن يصهر كل هذه العناصر والمؤثرات الفنية الخارجية، ليخلق شخصية ثرية ومتنوعة ومستقلة للفن الإسلامي.
كما بينت الباحثة في الفصل الثاني من الكتاب، المعنون بتأثير الثقافة العربية في النهضة الأوروبية، أن الثقافة العربية الإسلامية قامت بدور طليعي في بناء الشخصية العلمية العالمية، فقد كان طابع هذه الثقافة غالبًا وواضحًا ومؤثرًا في عديد من المجالات الفكرية والعلمية والثقافية. وكانت هذه الثقافة بمثابة الواسطة بين العلوم والثقافات القديمة وبين النهضة الأوروبية، إذ لولا المثقفون والعلماء العرب لما وصلت إلى الناس مؤلفات يونانية كثيرة مفقودة في أصلها اليوناني ومحفوظة بالعربية. ولم يقف تأثير الثقافة العربية الإسلامية في الغرب على مستوى المعلومات، بل اكتسب الغرب من هذه الثقافة المنهجية العلمية بكل طابعها التجريبي والاستقرائي.
وقد خصصت الباحثة الفصل الثالث من الباب الأول لبيان تأثير الفنون الإسلامية في النهضة الأوروبية، وبينت أن هذا التأثير تم من خلال مصادر وروافد مختلفة، هي العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين أوروبا والشرق الإسلامي، وكانت سببًا في نقل كثير من فنون الشرق إلى الغرب.
وكان للحروب الصليبية دورها المهم كذلك في نقل التأثيرات الفنية الإسلامية إلى أوروبا، حيث أدت إلى استقرار كثير من الأوروبيين في الإمارات الصليبية في الشام فترة من الوقت، مكنتهم من معرفة الصناعات والفنون الإسلامية عن قرب في البلاد التي عاشوا فيها، وكذلك مكنتهم من اقتباس كثير من التقاليد التي وجدوا أنها أكثر تقدمًا مما ألِفوه في أوطانهم الأوروبية، وعندما رجع معظم هؤلاء الأوروبيين إلى بلادهم بعد أن أجلاهم المسلمون من المناطق التي كانوا قد احتلوها في بلاد الشام أخذوا معهم كثيرًا من التحف الإسلامية، إضافة إلى التقاليد الفنية الإسلامية التي كانت قد أثرت في الصُّناع والفنانين، وقد تعلموها منهم بحكم معيشتهم وسط بيئة عربية إسلامية، وكان لهذه التقاليد الفنية الإسلامية والتحف العربية التي انتقلت إليهم أثر كبير في نقل الحضارة والفنون إلى أوروبا، وأيضًا كان للحروب الصليبية أثرها في المجال الحربي، ذلك أن هذه الحروب كانت سلسلة من الحروب الكثيرة التي استلزمت استخدام أسلحة جديدة وابتكار خطط وأساليب عسكرية، ومن ثم كان لها دورها في تطوير فنون الحرب في أوروبا، وظهر هذا التطور في العمارة والحصون الحربية، مثل عمارة القلعة الملمومة وهي طراز من القلاع يتميز بأن جميع أبراج القلعة وحصونها الدفاعية تؤدي إلى مركز واحد وبقعة واحدة في وسط القلعة، سميكة الجدران، منافذها عبارة عن شقوق ضيقة تسمح بدخول الهواء وبعض النور، ومداخلها من الأسفل أحيانًا. وانتشر بناء هذه القلاع في انكلترا في أثناء حكم الملك داوود الأول خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر. ومن المعتقد أن هذا الطراز نموذج من فن العمارة العسكرية التي أدخلها المسلمون على القلاع البيزنطية في سورية. كذلك مواسم الحج، حيث كان الأوروبيون النصارى يشدون الرحال إلى الأراضي المقدسة في فلسطين، فانتقل بذلك كثير من التحف والصناعات الإسلامية إلى أوروبا على يد هؤلاء الحجاج.
وعرضت الباحثة في الباب الثاني ـ الذي جاء في ثلاثة فصول ـ لبعض أوجه استفادة الغرب من الفنون الإسلامية، كما تناولت في الباب الثالث ـ والذي جاء أيضًا في ثلاثة فصول ـ الفن الحديث وروح الفن الإسلامي. أما الباب الرابع فقد خصصته لبيان الظلال التي ألقى بها الفن الإسلامي على مدارس الفن الحديث. كما خصصت الباحثة الباب الرابع ـ الذي اختارت له عنوان “ظلال الفن الإسلامي على مدارس الفن الحديث” ـ لبيان مدى التأثير البالغ للفن الإسلامي على المدارس الكبرى للفن الحديث؛ فقد كان لهذا الفن أثر على المدرسة التأثيرية، فقد تأثر رموز هذه المدرسة ـ من أمثال مونيه، وبازي، وديجا، ورينوار ـ بالعالم الإسلامي عند زيارتهم له، حيث تقاليد الإسلام بما توحيه من موضوعات جديدة للفنان الغربي، وحيث الجو العربي بواقعه وأساطيره، وبساطته، وسحره.. وأيضًا المدرسة الوحشية، فقد تأثر رموز هذه المدرسة ـ من أمثال بول جوجان، وهنري ماتيس بفنون الشرق عامة، وبالفنون الإسلامية خاصة، فقد جذبتهم الزخارف المصرية والآشورية القديمة، وكذا السجاد والخزف الإسلامي ورسوم المخطوطات الفارسية المصورة. وتعتبر الباحثة هذه المدرسة نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الفن الإسلامي.. وجاء ذلك في ثلاثة فصول.
ثم تختم الباحثة كتابها بشهادات لنقَّاد وفنانين من الغرب تكشف عن جمالية الفن الإسلامي بعيون غربية.
ومما يذكر أن الباحثة المصرية الدكتورة إيناس حسني من مواليد القاهرة – صدر لها عدة مؤلفات، منها
أثر الفن الإسلامي على التصوير في عصر النهضة، عن دار الجيل للنشر – بيروت 2005، وجماعة الفن المعاصر… ثروة باقية من زمن الفن الجميل، بالإنجليزية والعربية، عن وزارة الثقافة بمصر2008، وإصدارات أخرى، كما أن لها عدة دراسات في النقد التشكيلي وعددًا من الحوارات وعروض الكتب في صحف ودوريات عربية..