تحميل كتاب التاريخ والحقيقة لدى ميشيل فوكو pdf
الكاتب: السيد ولد أباه
التقييم:3.70
برز اسم ميشيل فوكو كرمز من رموز الفكر الفلسفي الغربي المعاصر، الذي لم يسلك نهج التفلسف المأهول كما أنه لم يتطرق في أعماله إلى الموضوعات التي طالما شغلت اهتمام “السلف الفلسفي” منذ سقراط حتى هايدغر.
من هنا كانت هناك محاولات كثيرة لقراءة فكر ميشيل فوكو كما وكانت هناك دراسات كثيرة لأعماله، إلا أنه ومن المفارقات المثيرة أن الكم الهائل من الكتابات حول فوكو لا يحتوي سوى النزر اليسير من النصوص الهامة التي تلقي أضواء كاشفة على هذا الفكر المنطبع بالثراء والتشعب والحركية. تلك هي النتيجة التي توصل إليها الدكتور السيد ولد أباه بعد استعراضه للكثير من المؤلفات بالفرنسية والإنجليزية (أما العربية فلم يفكر فيها على مؤلف واحد مخصص بكامله لفوكو) وهكذا في كتابه هذا الوقوف عند محددات النظرة الفلسفية لدى فوكو مبيناً أنها ليست تصوراً، “بنيوياً” سكونياً يرفض التاريخ ويكتفي، على طريقة اللسانيين، بضبط انتظام الملفوظات ورسم ثوابت البنيات المعرفية، ذلك أن إشكالية فوكو تختلف جذرياً عن أبحاث ليفي - شتراوس الأنتروبولوجية، كما نتعارض مع تحليلات لاكان النفسانية، والسمات “الوضعية التبشيرية لفلسفة ألتوسير الماركسية.
إن غرضها يتمثل، على عكس المقاييس البنيوية، في إبراز الطابع الحدثي للمعارف وأنماط السلوك، حتى تلك التي تتخطى ببداهة الحقيقة أو موضوعية العلم أو معيارية الخلق. كما أن فوكو ليس “فيلسوف السلطة” الذي يرادف بين المعرفة والقوة، ويجعل من إرادة الحقيقة إرادة نفي وإقصاء، وقناع إكراه وهيمنة، ذلك أن السلطة ليست معياراً متعالياً يعوّض “المثل” و”الجواهر” الميتافيزيقية، ولا هي هيمنة طبقية يخضع لها الصراع الاجتماعي، كما لا تتلخص في التقنية كروح ميتافيزيقية تطبع الحداثة حسب القول الهايدغري من هنا كان لا بد للكاتب في عمله هذا من التعرض إلى قضية تشعب العلاقات السلطوية وتعدد أبعادها والدور “الإيجابي” الذي يمكن أن تلعبه. ومن جهة ثانية يذكر الدكتور ولد أباه بأن فوكو ليس هو ذلك الوجه المريب الذي “اغتال” الإنسان، وأقصى “الذات” وهدم كل المعايير التي تشرع نمط الالتزام بخلفياته النضالية والخلقية، بل إن فوكو يعلن بصريح القول أن إشكاليته لم تكن أبداً السلطة وما تحمله من إكراه؛ بل ظلت دوماً البحث في الذات سواء من خلال تشكلها وحضورها في الحقل المعرفي، أو عبر تكونها ونشأتها في استراتيجيات السلطة، أو أخيراً من خلال الداخلية وعلاقتها بنفسها. ومما لا مماحكة فيه، أن همّ “الذات” قد شغل فوكو في أعماله الأخيرة، حتى أن بعض دارسي فلسفته وجد في ذلك عدولاً عن مواقف سابقة، واعتماداً لمسلك خلقي يجد نموذجه في “جمالية العيش” لدى اليونان.
إن فوكو إذن، كما يرى الدكتور ولد أباه، ليس “نجماً” من نجوم “الفلسفة الجديدة”، مهما كان الإغراء الكبير الذي تعرفه نصوصه حالياً، وهو في ذلك لا يختلف في شيء عن هيغل أو ماركس أو نيتشه، إن أهمية فوكو تنبع، وأيضاً حسب رأي الكاتب، من كونه يمثل نقطة التقاء أبرز التوجهات المعرفية المعاصرة، دون أن يمكن اختزاله في أي منها، ودون أن يمكن كذلك فصله عن المشكل الفلسفي الذي يظل متجذراً فيه، مهما تم التضييق من دلالة القول الفلسفي من هنا وجد الباحث لزاماً عليه، وفي تحوله هذا، رصد “أعماق” إشكاليته في أبعادها التاريخية والإبستمولوجية والفلسفية، منطلقاً من المحطة “الهيغيلية” اعتقاداً منه جازماً أن الفكر المعاصر برمته يتحرك في مناخ السياج الهيغلي، كما أنه من حيث هاجسه النقدي محاولة دائمة للقفز وراء السور المنيع الذي شيّده. ومن هنا يمكن القول بأنه ومهما كان هاجس الخروج عن فلسفات التاريخ حاضراً حضوراً ملحاً في نصوص فوكو، فإن ذلك لا ينفي مطلقاً الصلة الوثيقة بالأفق الهيغلي التي تتخذ شكل القطيعة أو القلب، لكنها تظل محدداً أساسياً من محددات فلسفته.