الكاتب: Various
التقييم:3.67
تاريخ النشر: 1-9-2002
إن الاجتهاد الكلامي يستوعب غربة الواقع بأزماته ومشكلاته المزمنة، ويتجاوز غربة التراث، ذلك أن التراث ينتمي إلى واقع مضى، فالإصرار على استدعائه بتمامه يعني استدعاء ذلك الواقع، وبالتالي إلغاء عنصري الزمان والمكان، ونفي الصيرورة والتحول، والنزوع نحو سكونية لا تاريخية، يتكرر فيها الماضي والحاضر والمستقبل، وتغدو عملية التقدم هروباً من العصر، وتوغلاً في الماضي، واستئنافاً للأفكار والمواقف والنماذج التاريخية ذاتها. وتتجلى قيمة الاجتهاد الكلامي في إصراره على التمييز بين الإلهي والبشري، بين المقدس وغير المقدس، بين الدين ومعرفة البشر للدين، بين العقيدة وإدراك الإنسان لها، بين الوحي الإلهي والعقل الإنساني، بين الكتاب الكريم وتفسيره، بين الفقه وفتاوى الفقهاء والشريعة الإلهية المقدسة. <br /><br /> إن الاجتهاد الكلامي يطمح لإحياء نزعة التفكير الحر الذي شدد على الدعوة إليه القرآن الكريم في آيات عديدة، ويعمل على اختراق، بل تحطيم الأسوار التي وضعها حول العقل اتباع التيار الظاهري وجماعاتهم من السلفيين، حتى باتت دراسة ومناقشة بعض القضايا الكلامية واللاهوتية في الإسلام من المحرمات اليوم، بينما كان يتداولها المتكلمون بالأمس من دون أية قيود أو ممنوعات عقلية، باعتبار التفكير فريضة مكلف بها عامة المسلمين، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. ويرمي الاجتهاد الكلامي إلى دراسة التراث بموضوعية وأمانة، والتحرر من التميزات الطائفية والقبليات المذهبية في البحث، تلك الميزات التي تعمل على اقتطاع النص من سياقه، وتجريده من قرائنه، ثم نتعسف في تأويله، بهدف التدليل على أية وجهة نظر تتبناها. <br /><br /> والدراسة العلمية الموضوعية للتراث تتطلب التوفر على خبرة ودراية في التعاطي معه، واستلهام روحه وعناصره الحية، والقدرة على توظيفها في منظومة الأفكار الكلامية الراهنة. وبغية تنمية التفكير والبحث في القضايا الكلامية الراهنة والسعي لإرساء مرتكزات منهجية للاجتهاد كلامي معاصر، ثم إعداد هذه المجموعة من الحوارات التي هي طي صفحات هذا الكتاب، وهي حوارات مع طائفة من المتكلمين والباحثين في علم الكلام، تمّ التحدث إليهم مباشرة حول مختلف الاستفهامات والعوائق التي اكتنفت المسار التاريخي للتفكير الكلامي، وقد تمّ استطلاع رؤاهم في إشكاليات علم الكلام، وسبل تطويره، بنحو يستجيب للمتطلبات العقائدية المتجددة، ويحمي المعتقد من الذوبان في الشبهات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحوارات حرصت على استيعاب رؤى متنوعة، ربما تتباين أو تتقاطع، تبعاً لتنوع المرجعيات الفكرية لأصحابها، وهي بالتالي تعبر عن اجتهادات لأصحابها، والمجتهد قد يصيب أو يخطئ، خاصة وأن شيئاً من هذه الرؤى تسعى لتوظيف المعطيات العاصرة للعلوم الإنسانية، وتتوكأ على أدوات منهاجية مستفادة من فلسفة العلم والهرمنيوطيقا واللاهوت الغربي. <br /><br /> من هنا ينبغي أن يبادر الباحثون في علم الكلام لدراستها وتفكيكها ومناقشتها، واختبار أدواتها المنهاجية، وإمكانية الإفادة من تلك الأدوات في سياق مختلف. وهذا هو السبيل لبعث الاجتهاد الكلامي من جديد، وصياغة فهم لرؤية كونية توحيدية تواكب العصر ورهاناته. وقد جرى إعداد بعض هذه الحوارات عبر مقابلات شفوية مباشرة، كما في الحوار مع الدكتور حسن حنفي، والدكتور عبد المعطي بيومي، والأستاذ مصطفى ملكيان. فيما أجاب الشيخ صادق لاريجاني والدكتور أحمد قراملكي عن الأسئلة تحريرياً، وتمّ إعداد إجابات الشيخ محمد مجتهد شيستري بالجمع بين عدة مقابلات حول قضايا الهرمنيوطيقا الفلسفية وتعدد القراءات والتعددية الدينية.