تحميل كتاب اسمه أحمد وظلّه النار pdf

تحميل كتاب اسمه أحمد وظلّه النار pdf

الكاتب: محمد المطرود

التقييم:3.67

تاريخ النشر: 2014
Goodreads

نستطيع أن نضع الكتاب الجديد للشاعر السوري محمد المطرود “اسمه أحمد وظله النار” ضمن الأعمال التي تعكس المشهد السوري عبر خصائصها الفنية، وذلك إجابة على تساؤل يثار لدينا لدى قراءتنا أي كتاب يتناول هذا المشهد بعيداً عن الإغراق في الذاتية والمباشرة.

يتخذ الكاتب الذي أنجز هذا العمل إثر هجرته إلى ألمانيا العام 2013، من اسم “أحمد”، رمزاً للتغريبة السورية “كيف عبرتَ الحدود يا أحمد؟ كيف وسردتَ قصة طويلة عن الشجاعة وقد كنتَ هشاً وقابلاً للطيِّ في حقيبة؟”، وهو بهذا يعيد استنهاض الدلالات التي تنطوي عليها الذاكرة الجمعية العربية أمام اسم “أحمد” منذ قصيدة محمود درويش “أحمد الزعتر” في تناوله للموضوع ذاته، لكن بأسلوب بعيد عن الغنائية “هل عبرتَ الحدود وأغلقتَ خلفك الباب يا أحمد؟…، كم سيمضي من الوقت ليفهم الذي يروم الخلود أن الحقائب كالبلدان لا تتشابه إلا في حالتي الحزن والخوف الشديدين؟”.

بلغة سردية يكتب المطرود هواجس المنفي، هو الشاعر المنتمي إلى جيل التسعينيات وصاحب التجربة الطويلة مع قصيدة النثر (كان آخرها كتابه “أسفل ومنتصف الحياة” بالاشتراك مع الشاعر أديب حسن محمد 2012)، نراه ينتقل إلى النص المفتوح الأقل غموضاً والأكثر رحابة. لعل تلك الكتابة المألوفة لديه لم تعد تستوعب التحولات الطارئة في العالَمين الداخلي والخارجي، مع تخلٍّ شبه كامل عن المجاز، إذ أن الصدمة التي يعيشها السوري في واقعه تشكل مجازاً أعمق من ذلك المنحوت باللغة.

في “فصل العبور” -مطلع الكتاب- تسيطر النبرة الحادة وتنوع الضمائر بين المخاطب والغائب والمتكلم، لكن ثمة ما يحاول الكاتب ألا يقع فيه المباشرة، فيترك دائماً مسافة بينه وبين الحدث ليخرجه من إطاره الذاتي والزمني. هنا نذكِّر بأن الظرف الكتابي الذي لم يعشه الكاتب السوري من قبل ليس سوى امتحان قوي لموهبته، هذا الامتحان يبدو من إحدى جوانبه أداة لوقوعه في لغة متوترة ومستهلَكة، ومن جانب آخر وسيلة فعالة لكشف عالمه الشعري، “لستُ ظلاً بالتأكيد، والنيران التي أحاطت بي كانت وجوهاً أو صارت وجوهاً أعرفها بينما كنتُ أرسم الخريطة، خريطة أحلامي ومدخلي إلى الخلود”.

نرى للتغريبة أشكالاً متعددة في الكتاب الصادر قبل أشهر عن “دار النهضة العربية”. ففي الفصل الثاني “حرائق دفتر العائلة”، تتحول نتيجة للتغريبة الجماعية إلى تغريبة شخصيَّة ترتدُّ بالكاتب إلى الذاكرة الأولى “دفتر عائلتي القديمُ هو دفتر عائلتي الجديد، لم يزد موتاً وحريقاً وزاد تشظياً وعناقاً للجهات، كل الجهات”. لكن الكاتب يخرج فجأة عن أسلوبه السردي ليقدم نصوصاً قصيرة عن “موت الطائر”، فيضعنا أمام تموجات كتابية متنوعة تعكس كالمرآة ذلك التماوج في المخيلة المضطربة الخارجة عن المألوف، والتي أحدثها المشهد السوري العبثي، هي “خسارات الغريب” في تيهه السرمدي “كن وطناً وأبقِ على جرحك ينزُّ ويفور مثل عش دبابير حمراء، كأن لي روحين تحنُّ إحداهما على الأخرى، ولسانين ووجهين من فلت المكائد”، لتستدعيَ الذاكرة مَشاهد مختلفة لا يربط بينها سوى محاولة يائسة للبحث عن الذات، فيستحضر الشاعر من مناظر المدن الجديدة في المنفى ما كان قد عاينَه قبل هجرته، شأنه شأن أي مهاجر، لكنها لغة الكاتب ما يحول هذا الاسحضار إلى سِفرٍ للخسارة “وهنا سأقول مطعوناً بالغيم المستقر اللاثابت لا قيمة للشمس عند السوري، إنما يثمنها راعي إبل الله في برية الثروات”.

ثمة محور غير التغريبة يجمع بين نصوص هذه الكتاب المتنوعة والغزيرة، وهو “الطبيعة”، فالكاتب يتخذها منها ملجأ لصرخته ومرجعاً لسائر صوره وابتكاراته اللغوية. في تلك الطبيعة، ثمة بحث عن اللامتغير من العالم بعدما غيرت الحرب كل شيء “هي الربابة من دلني على آلهة تسكن هنا، حيث سأترك ظلي يتلذذ بالشمس، والرطوبة المحمولة على أكتافه كجزء مملٍّ من الحنين”. هكذا نجد أن المفرادات التي تنتمي إلى الحقل الدلالي للطبيعة البكر تأخذ مكاناً بارزاً حتى في أكثر نصوص الكتاب طولة وأقلها ابتعاداً عن المباشرة “لا أحتمل سوريتي”.