تحميل كتاب أهل الألفاظ وأهل المعاني؛ دراسة في تاريخ الفقه pdf
الكاتب: أيمن صالح
التقييم:4.20
أهلُ الألفاظ وأهلُ المعاني دراسة في تاريخ الفِقْه
د. أيمن صالح
مجلة الأحمدية، دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، الإمارات العربية
العدد 28، ذو الحجة 1434هأكتوبر 2013م.
من صفحة 101 إلى صفحة 196.
مقدِّمة البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد
فمن الثابت الذي لا يَحُوجُ إلى برهان، والجَليِّ الذي لا يعوزه بيان، أنَّ النَّص، بشقَّيه الكتاب والسُّنَّة، كان الْمِحْوَرَ الذي دار حولَه، والأُسَّ الذي رُكِّبَ عليه، والأرضَ الخِصْبَ التي نما فيها وعليها وحولها، مُعْظمُ النَتَاج العِلْمي للمُسلمين على مرِّ العُصور.
وإذا تفاوتَتِ العلومُ الإسلامية في درجة انبنائها على النَّص، وخدمتِها إِيَّاه، وقُربِها منه، وتعامُلِها معه، فإنَّ علم الفقه، الذي اضْطَّلع أربابُه بمهمَّة استنباط الأحكام العَمَليَّة التشريعِيَّة، كان من أكثر العلوم الإسلامية اختِصاصاً بالنَّص، وقُربا منه، وتفاعُلاً معه، فهما واستنباطا وتطبيقا.
وبسبب التَّفَاوُتِ الثبوتي للنّص، يقينا وظنا، وصِحَّةً وحُسْنا، والتَّفاوتِ الدَّلالي لألفاظه وُضوحاً وخفاءً، وتفاوُتِ النَّاظِرين فيه في القرائح قُوَّةً وضَعْفاً، وفي الطَّبائع إقداماً في مَظانِّ الزَّلل وإحجاما، وتَشَوُّفاً إلى ما بَطَن واقتِناعاً بما ظَهَر، كان من غير الْمُسْتَهجَن أن تتعدَّد طُرُقُ أهل الفقه في فهم النَّص وتفسيره واقتِباس الأحكام منه.
ولا يصعُب على الدَّارس في هذا المجال أن يُبصِرَ منهجين مُتَمايِزَين في طُرُق الفهم والتفسير
أَحدُهما يميل أصحابُه إلى التَّمَسُّك بظاهر ألفاظ النص من غير اسْترسال للفكر والعقل والرأي في دلالته، ولا فيما يتوخَّاه وراءَ ظواهر هذه الألفاظ من مقصدٍ بيانيٍّ أو تشريعي، أي أنَّهم يحتَكِمون، في غالب أحوالهم، إلى المقتضى اللغويِّ الصِّرْف لألفاظ النَّص الذي يَتَحَدَّد بمعانيها الجُمْهوريَّة القريبة المتبادَرَة منها في عُرف التَّخَاطُب.
والمنهجُ الآخر يلتفتُ أصحابُه إلى ما اشتَمل عليه اللَّفظ من معنىً وحكمة، ورُبَّما أدَّاهم ذلك، في كثير من الأحيان، إلى تعميمِ حكم النص، وإن كان اللَّفظ الْمُفيدُ له خاصَّا بالمِقياس اللغوي، أو إلى تخصيصِهِ، وإن كان اللَّفظ عامَّا، أو صَرْفِ مدلول اللَّفظ من الحقيقة إلى المجاز من غير قرينةٍ سِياقيَّة أو حالِيَّة تدعم ذلك إلا ما لاحَ لهم من معنىً مُستنبطٍ وحكمةٍ يرونها مقصودة.
ومِنْ أنصار المنهج الأول مَن يَشْتَدُّ استِمْساكُه بِظَواهر الألفاظ حتى إنَّه لا يلتفت إلى المعنى مُطلقا، ولو كان لائِحا يكاد يجاري الظَّاهِرَ في قُربهِ وانْفِهامِه. وفي المقابل فإِنَّ مِنْ أنصار المنهج الثاني مَنْ يُغْرِقُ في التِماسِ المعنى والاعتِداد به، ويُؤوِّلُ به النَّصَّ حتى لو كان هذا المعنى بعيداً مُتَوهَّماً، أو كانتِ البِنْيَةُ اللُّغَويَّة، أو السِّياقِيَّة، للنَّص تنْبُو عن قَبُوله إلا بتكلُّفٍ واستِكْراه.
وبينَ هذين الطَّرفين المتباعِدين مَراتبُ كثيرةٌ متفاوِتةٌ قُرباً وبُعداً من هذا الطَّرف وذاك.
وتهدف هذه الدراسة إلى عرضٍ سريعٍ لتاريخ الفقه الإسلامي في ضوء منهَجَي اللفظ والمعنى هذين. وليس من غرض الباحث هنا المفاضلةُ بين المنهجين، أو إعلاءُ أحدهما ونقد الآخر، لا في الجملة ولا في آحاد المسائل، بل يعتقد الباحث أنَّ كلا المنهجين ـ باستثناء ما تطرَّف منهما ـ فِطريٌ، شرعيٌّ في الجملة، وأنَّهما مظهران للتَّنَوُّع الخَلْقي الذي بثَّه الله، تعالى، في طِباع الناس، وإمكاناتهم، ومُيولهم، وأنماط تفكيرهم.
الدِّراسات السابقة
كثيرةٌ هي الكتب التي تحدَّثت عن تاريخ الفقه ومدارسه، ولكنَّها في مجملها لم تركِّز البحث على ثنائية انقسام أهل العلم إلى أهل لفظٍ وأهل معنىً، على مدار هذا التاريخ. نعمْ، أشارَ كثيرٌ من الباحثين إلى ثنائيَّة “اللفظ والمعنى” حين تناولوا مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، واصِفين أهل الرأي من أهل العراق بأنَّهم أهلُ معانٍ وتقصيد وتعليل، وأهل الحديث من أهل الحجاز بأنهم أهلُ ألفاظٍ وظواهرَ واتِّباع. وقد أشارَ قِلَّةٌ من الباحثين ـ كما ستراه من خلال البحث ـ إلى خطأ هذه النَّظْرة الشائعة في التقسيم والتوصيف، ولكن دون برهنةٍ جَليَّةٍ على ذلك. وهذا ما حاولت هذه الدراسة القيامَ بجانب منه.
أهميَّة الدِّراسة
تُؤَدِّي هذه الدراسة إلى تفهُّمٍ أعمقَ للاختلافات الفقهية الناشبة بين أهل العلم قديماً وحديثاً، بالوصول إلى الأسباب العَمِيقة لهذه الاختِلافات، والتي تعود في جانِبٍ ليس بالهيِّن منها إلى الخصائص والسِّمات النَّفسية في أشخاص العلماء وانقِسامهم الفِطري إلى نزَّاعين إلى اللفظ والظاهر، ونزَّاعين إلى المعنى والقصد. ومن شأن هذا الفهم أن يعود على صاحبه، سواءٌ أكان فقيها أو مُحَدِّثا، أستاذا أو طالبا، ظاهريا أو مقاصديا، بفائدتين الأُولى فهمٌ أدقّ لمناهج الاستنباط والتنزيل ومآخذها. والأخرى تسامُحٌ أكبر مع الخلاف الفقهي، وتقبُّل أَرْحبُ للرأي المخالف.
منهج الدِّراسة
1. وصفيٌّ تحليلي ومِن ثَمَّ استنتاجي، مع الإكثار من الشَّوَاهد النَّصِّيّة التي تخدم فكرة البحث.
2. فيما يتعلَّق بتوثيق الروايات اكتفيتُ، في الغالب، بالعزو إلى الشيخين أو أحدِهما فيما روياه أو رواه أحدهما، وإلا عزوت إلى غيرهما من غير استقصاء. وما وجدتُّ لأهل الحديث، قدماء ومعاصرين، فيه حكما بالصِّحَّة أو الضَّعف على الرواية ذكرتُه، وإلا اجتهدت في الحكم على الرواية بحسب ظاهر الإسناد من الاتصال وعدالة الرواة إلا أن يكون الإسناد من مشاهير الأسانيد الصحيحة، كمالك عن نافع عن ابن عمر، فأحكم عليه بالصِّحة بلا تردد.
هيكل الدِّراسة
تتكوَّن الدراسة، بعد هذه المقدِّمة، من ثلاثةِ مباحث وخاتمة
المبحث الأول التعريف باللفظ والمعنى وعلاقة القصد بالمعنى.
المطلب الأول المقصود بثُنَائية “اللفظ والمعنى” في الفقه وأصوله.
المطلب الثاني القصد وعلاقته بالمعنى.
المبحث الثاني مدرسة اللفظ ومدرسة المعنى سُنَّة إلهية في الخلق.
المبحث الثالث مدرسة اللفظ ومدرسة المعنى في تاريخ الفقه.
المطلب الأول أهل الألفاظ وأهل المعاني في العهد النبوي.
المطلب الثاني أهل الألفاظ وأهل المعاني في عهد الصحابة.
المطلب الثالث أهل الألفاظ وأهل المعاني في عهد التابعين.
المطلب الرابع أهل الرأي وأهل الحديث وأهل الألفاظ وأهل المعاني.
المطلب الخامس أهل الألفاظ وأهل المعاني في عهد أئمة الاجتهاد.
المطلب السادس أهل الألفاظ وأهل المعاني في العصر الحديث.
وخاتمة.
httpfeqhweb.comvbt18973.html